المشكلة التي أطرحها دائمًا حول معارض الكتاب, وهي المشكلة التي أرجو أن يستمع إليها المنظِّمون لهذه المعارض؛ أن دور النشر البارزة ومنشوراتها الحديثة والأحدث لا تصل إلى هذه المعارض إلا في ما ندر, لاسيما إصدارات دور النشر الأردنية والمغربية واللبنانية (منشورات المركز الثقافي العربي ومنشورات مركز الدراسات العربية إنموذجاً). ما الذي يعنيه تنظيم معرض سنوي للكتاب الورقي في زمن الإنترنت والمكتبات الرقمية والكتب المصورة؟ معناه أن تكون هذه المعارض نافذة لاطلاع القارئ العربي على كل جديد في حقل المعرفة لا يزال يُسوَّق ورقياً, لاسيما الجديد المتعلق بالتخصصات الأكاديمية؛ لأن المعرفة بحر جارٍ, وحين تصر المعارض اليمنية للكتاب في كل عام على عرض مخزونها التقليدي من المنشورات القديمة فهذا يعني أنها تنظر للمعرفة من منظور ضيق يجعلها تقدم معرفة راكدة, وإذا كانت راكدة فلابد أن تكون قد تغير لونها وطعمها ورائحتها!!.. حتى المكتبات اليمنية الوكيلة لكثير من دور النشر العربية اعتادت إرغام القارئ على اقتناء ما تريد من منشورات لا يتعدى كثير منها عام 2003 وبأثمان باهظة لا تليق إلا بآخر الإصدارات, وإذا كنت مستعدًا أن تدفع أي ثمن لعنوان نشره مركز دراسات الوحدة العربية أو غيره في عام 2013م أو في بداية العام الجاري 2014م فإنك لا تجده عند هؤلاء الوكلاء؛ لأنهم درجوا على ممارسة التجارة الخاملة التي لا تبحث عن الجديد إلا بعد أن يكتمل مخزونها من القديم كله, وكأنها تبيع للناس فواكه وخضروات لا كتبًا ودوريات. عجيب أمر هذه المعارض.. والحزن كل الحزن على مدينة مثقفة كثير من رجالها ونسائها ودارسيها النظاميين وغير النظاميين, كلهم يعشق القراءة ويبحث عن معرفة دسمة وأسعار معقولة فلا يجدونها. لماذا هذه المعارض – بنسختها التعزية – تتزايد نحولاً وشحوبًا في كل عام؟ .. ألا يحق لنا أن نتساءل: أين ذهب جناح دار الوفاء- المصرية, وجناح دار مجدلاوي – الأردنية, فهذان الجناحان, على الأقل, كانا ممن يعرض منشورات فيها ما يستحق الاهتمام, ولكن لا ندري أين ذهب الله بهما؟.. بطبيعة الحال, لا نختلف على أن هذه المعارض - بنسختها التعزية – بمثابة ربيع ساحر للكتاب الديني والوعظي, وهذا أمر لا غبار عليه؛ لكن المؤسف أن تأتي في المقابل دور نشر متخصصة في بيع الكتاب العلمي والدراسات المنهجية, وإذا بها تقدِّم الغث والزائف والفارغ الذي يضلل القارئ ويخدعه بسحر العنوان, وهو أسلوب استمرأته بعض المكتبات المصرية التي تسمح لنفسها بالتعاقد مع لصوص المعرفة وأدعيائها لنشر كتب سنوية ليس فيها شيء مما في العنوان؛ لأن الهدف الربح فقط, و(إذا لم تستحِ فاصنع ما تشاء). ولهذا فإن معرض الكتاب في تعز هذا العام تجد فيه كفة المكتبات اليمنية بحالها المتواضعة ترجح بكفة المكتبات الوافدة, وهذا أمر عجيب, فالزائرون للمعرض أكثر إقبالاً على رؤية المضيف لا الضيف, وهذا يقتضي من الضيف أن ينهض بنفسه, خصوصًا أن تجارة الكتب معفية من الرسوم الجمركية والضرائب. [email protected]