اتفق عدد من المثقفين والأدباء السعوديين والعرب على تميّز معرض الرياض الدولي للكتاب في دوراته السابقة وهذه الدورة التي اختتمت يوم الأول من أمس، معتبرين أن المعرض أصبح مناسبة سنوية وتظاهرة ثقافية تفتح النوافذ على المنتج الفكري والأدبي والإبداعي من كافة الأقطار العربية، بجانب ما يمثله من حراك ثقافي وأدبي وفكري فيما يصاحبه من برنامج ثقافي وورش عمل تتناول العديد من القضايا الفكرية والأدبية المختلفة.. وتفاوتت آراء المشاركين في هذا الاستطلاع حول الصراع بين الكتاب الورقي والإلكتروني، فمنهم من يرى أن الكتاب الإلكتروني أصبح يشكل تهديدًا واضحًا ومباشرًا للورقي، آخرون يرون أن الوقت ما زال مبكرًا للقول بانتهاء الكتاب الورقي وإحلال الإلكتروني مكانه.. جملة هذه الآراء في سياق هذا الاستطلاع حول معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، وموقف الكتاب الورقي أمام «غريمه» الإلكتروني.. خطر كبير في البداية اعتبر الناقد التونسي الدكتور محمد القاضي أن معارض الكتاب بمثابة النوافذ التي تفتح على ما ينتجه الفكر العربي والإنساني، وأنها فرصة يستطيع من خلالها المثقفون أن يتنفسوا هواءً جديدًا، وهذا الهواء يحدث حركية فكرية يضطلع معرض الرياض بدور مهم جدًّا في تحقيقها. مشيرًا إلى أن الكتاب الإلكتروني يشكل خطرًا وتهديدًا كبيرًا على الكتاب الورقي لأسباب كثيرة منها كلفة الكتاب الورقي ومجانية الكتاب الإلكتروني، وكذلك الإلكتروني لا يحتاج إلى وقت للحصول عليه، كما أنه لا يحتل موقعًا في الفضاء المكاني عكس الورقي. مستدركًا بالإشارة إلى أن الكتاب الإلكتروني يبقى دائما تابعًا للكتاب الورقي. مبينا أن هناك إغراءً من الكتب من حيث العناوين والألوان والتصاميم لفتح شهية القارئ ذات بعد سلبي أكثر منه إيجابيًا لأنه غطاء لحقيقة مغايرة عما في لبّ الكتاب. مشكلة قائمة ويقول الناقد السعودي الدكتور سعد البازعي: إن معارض الكتب أصبحت هي الوسيلة الرئيسة للقراء للوصول إلى الكتب التي يريدونها في ظل ضعف الكتاب وبالتالي صعوبة الحصول عليه بالإضافة إلى الرقابة المفروضة على كثير من الكتب في الدول العربية أصبحت هذه المعارض هي سوق الكتب الحقيقية. مبينًا أن إقبال الناس على المعارض دليل مشكلة قائمة وهي ضعف حضور الكتاب في مكتبات بيع الكتب فلابد من التنبه لهذا الأمر، كي لا نستمر في هذا الوضع الذي يجعل الكتاب حكرًا على المعارض بعيدًا عن أسواق الكتاب في المكتبات. مشيرًا إلى أن الكتاب الإلكتروني يزاحم الكتاب الورقي، ولكن مازال الورقي حاضرًا ومبيعاته عالية، والتنافس بينهما لم يلغ الكتاب الورقي حتى الآن. مذاق وصحة ولا يشذ الأديب حمد القاضي عن سابقيه في استحسان ومدح المعرض وتقريظ ما يقوم به من حراك في الساحة الثقافية والأدبية والفكرية، حيث يقول: إن معرض الرياض الدولي للكتاب يعد منارة إشعاع للعلم والثقافة والمعرفة للعالم أجمع، فهو يجمع حقول الثقافة في مكان واحد، الأمر الذي جعل مرتاديه يقبلون عليه بشوق بعد أن كانوا يتعطشون له وينتظرونه عامًا كاملًا، بالإضافة إلى ما يحتويه من دور نشر عالمية وعربية الأمر الذي جعل مشارب الثقافة مختلفة. مؤكدًا على أهمية القراءة فهي التي ترتقي بالدول عندما يحرص أبناؤها القراءة حتى تتشكل لديهم المعرفة والثقافة والاطلاح على الحضارات الأخرى. وحول الصراع بين الكتاب الورقي ونيره الإلكتروني يبدو القاضي منحازًا إلى الورقي على حساب الإلكتروني حيث يقول: أميل للكتاب الورقي، فهو له طعم ومذاق خاص، فمجرد لمسه والتعامل معه يعني الشيء الكثير لكل قارئ حصيف، بالإضافة إلى أنه جيد من الناحية الصحية، كما أن الثقافة سائدة في كثير من المجتمعات إذ نشأ علماؤها وأدباؤها ومثقفؤها على الكتاب الورقي ما جعل بين هذا الكتاب وقارئه محبة وحميمية خاصة، وهذا الأمر لا يجعل المثقفين يتجاهلون الكتاب الإلكتروني الذي بدأ يشق طريقه في عالم الكتب حتى أن الجيل الجديد قد بدأ ينسجم معه نوعًا ما. وأستطيع التأكيد على أن الكتاب الورقي هو المسيطر على المشهد حاليًا. قنطرة حضارة ويرى الناقد التونسي الدكتور صالح بن رمضان أن معرض الرياض قنطرة حضارة ونقطة نور ونقطة انطلاق سنوية لتجديد الوفاء للكتاب. مشيرًا إلى أن هذا المعرض ليس معرضًا تجاريًا بل هو مكان لعرض الكتب الجديدة التي تجعل هناك تفاعلًا بين الناس من خلال استشارة بعضهم بعضًا. مبينًا أن الكتاب الورقي سيبقى بخير رغم مزاحمة وسائل التقنية الحديثة له التي لا تقلقه كثيرًا لأن الكتاب اليوم مازال صامدًا لذلك سيبقى في الغد صامدًا. مؤكدًا أن هناك مغازلة بين القارئ والكتاب مفادها أن القارئ يجذبه العنوان واللون والإخراج والتصميم. أدوار منفصلة ومن جانبه وصف الناقد السعودي الدكتور معجب العدواني معرض الرياض الدولي للكتاب بأنه رافد مهم من روافد المعرفة والثقافة وظاهرة ثقافية عالمية يأتي إليها العالم من جميع الأقطار للمشاركة بها. مشيرًا إلى أن الكتاب الإلكتروني لا يمكن أن يقوم بدور الكتاب الورقي أو العكس. موضحًا أن الوقت ما زال مبكرًا للقول بانتهاء الكتاب الورقي لأنه حاضر وبقوة في المشهد الثقافي لفعاليته الكبيرة وارتباطه الحميمي مع القارئ. مؤكدًا أنه سيأتي وقت وتتحوّل جميع الكتب إلى إلكترونية ومعارض الكتب إلى رقمية. مسرح التعارف ويشارك الناقد السوري وليد قصاب بالإشارة إلى أن معرض الكتاب تظاهرة ثقافية كبرى وظاهرة عالمية تجمع الكثير من الثقافات من خلال مشاركة الكثير من الدول العالمية. معربًا عن سعادته بهذا المعرض الذي ينتظره من سنة إلى سنة بفارغ الصبر. مشيرًا إلى أن المعرض يعرف القارئ على الكتب الجديدة، بل الحصول على الكتب التي لا يمكن الحصول عليها في الأيام العادية، كما أنه فرصة ليحصل الباحثون والدارسون على الكثير من المراجع الحديثة التي تخدمهم في أبحاثهم. مبينًا أن هذا المعرض فرصة للتعرف على الباحثين والدارسين والمثقفين والمفكرين عن قرب. كما أنه فرصة لإعادة الكتاب إلى مكانته التي أهملت لعدم قراءة هذا الجيل فلعله يحرك ما ركد وترسب في أذهان أبنائنا. مبينًا أنه لا غنى للكتاب الورقي عن الكتاب الإلكتروني، فالكتاب الورقي له متعة خاصة ويبقى له مذاق خاص لا يمكن أن ينوب منابه الكتاب الإلكتروني ولا يمكن الاستعاضة عنه بشيء آخر، ولذلك لا أظن أنه سينتهي ولكن بدأ الكتاب الإلكتروني ينافسه ويحاول أن يسحب البساط منه. رافد الفكر ومن جانبه أكد أستاذ علم النفس المشارك في جامعة الملك سعود الدكتور علي بن عبدالله العفنان أن المعرض يعد رافدًا من روافد تنمية الفكر والثقافة ونحن في المملكة العربية السعودية بدعم خادم الحرمين الشريفين بحاجة لمثل هذه المعارض. مشيرًا إلى أن الرواد متشوقون لهذا المعرض فهم ينتظرونه من عام إلى عام. متمنيًا أن يكون هذا المعرض في أكثر من منطقة أو يكون له نظير في فترات أخرى مثلاً في الصيف في منطقة معينة أو يكون دورة أخرى لتتم مشاهدته في مناطق المملكة. مبينًا أن المواطن السعودي بحاجة إلى الكتب والقرءة حتى مهما طرحت الآن قضية التقنية، فالتقنية تسهم ولكن لا غني عن الكتاب الورقي، والكتاب الإلكتروني لا يعطيك المادة العلمية، بينما الكتاب الورقي يعين الإنسان على القراءة من الغلاف إلى الغلاف ويمكن الإنسان من قراءته سواء كان في الأرض أو البحر أو الجو، مشيرًا إلى أن جوانب التقنية أحيانًا يكون لها أضرار صحية عكس الكتاب الورقي. شموخ مستمر مستشار وزير التعليم العالي أمين اللجنة الثقافية في وزارة التعليم العالي الدكتور نايف الرشدان قال: إن معرض الكتاب تظاهرة ثقافية كبرى تلتقي فيها العقول الثقافية لتنهل من ينابيعه. كما أن معرض الكتاب قاعة للدرس فيها يلتف جمع من المثقفين وطلاب الثقافة لدعم حركة الفكر. مبينًا أن على المثقف السعودي عدم التمظهر وإبراز النفس في الجانب الثقافي بحضوره وغشيانه مثل هذه المعارض بل عليه التركيز على الانتقاء والقراءة الحقة ليؤسس لنفسه وفكره ثقافة متجددة بتجدد الأشياء وعدم الجمود أو البعد عمّا يدور في المشهد الثقافي ومعايشة لديناميكية الحياة في الخارج. وينفي الدكتور الرشدان وجود منافسة بين الكتاب الورقي والإلكتروني، ويبرز ذلك في سياق قوله: لا توجد منافسة بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني ولكن إذا افترضنا أن هناك منافسة بينهما فهي محسومة للكتاب الورقي لا محالة، فهو وعاء الثقافة الحقيقي كما أنه سيبقى شامخًا في هذا العصر الذي سيطرت فيه التقنية على حياة الكثير من البشر اليومية، لكن مع ذلك لا يزال الكتاب الورقي هو من يمثل الوجه الحقيقي لكل حضارة ، كما أن لملمس الورق لذته وحساسيته وإحساسه ومتعته. موضحًا أنه لا يوجد بينه وبين الكتاب الإلكتروني انسجام حتى الآن. وختم الرشدان حديثه منتقدًا موضة الكتابة في الرواية التي ركب موجتها الكثير من لا يعرفون أبجديات الكتابة فيها لاعتقادهم بأن الكتابة في الرواية سهلة ويسيرة، وهذا ليس صحيحًا بل لابد من قدرة فنية لحبك هذا السرد وإحالته من حركة حياتية إلى حركة فنية. موضحًا أن أغلب ما يوجد من روايات أقرب إلى السيرة الذاتية البعيدة عن فنون الرواية وعالمها. بين جيلين رؤية الناقد السعودي الدكتور عبدالله المعيقل حول المعرض أودعه في ثنايا قوله: إن معارض الكتب أصبحت اليوم إحدى الزوايا الثقافية لكل بلد بل هي مرآة للبلد فهي من تنقل ثقافته للعالم أجمع وهذا ما جعل من معرض الرياض الدولي للكتاب من المعارض الكبرى التي تتسابق عليها الدور العربية والعالمية للمشاركة به. مبينًا أن الكتاب يمر حاليًا بمرحلة تحول، مما جعلنا نعيش بين جيلين، الأمر الذي جعل هناك تسابقًا وتنافسًا شرسًا بين من يقرؤون الكتاب الورقي ويدافعون عنه بشراسة وبين من يقرؤون الكتاب الإلكتروني من خلال التطور التقني ما جعل محبيه من الجيل الحالي يدافعون عنه بشراسة أيضًا ، مشيرًا إلى ميله إلى الكتاب الورقي أكثر من الكتاب الإلكتروني مع إدركه جيدًا بأن الكتاب الإلكتروني هو الذي سيكون مسيطرًا في المستقبل إذا بقيت له الظروف سانحة في ظل تراجع قراء الكتاب الورقي، ولكن الكتاب سيبقى متواجدًا دائمًا سواءً أكان كتابًا ورقيًا أو كتابًا إلكترونيًا. بصمة وتكامل ويرى المشرف على المنتدى الشبابي في النادي الأدبي بالرياض عبدالرحمن الجاسر أن معرض الرياض الدولي للكتاب يعد من أهم المعارض العالمية التي أصبحت مقصدًا لكثير من دور النشر في العالم، بل هو رافد من روافد الثقافة، كما أنه مكان لاجتماع الثقافات والاطلاع على الحضارات. مبينًا أنه لا يمكن الاستغناء عن الكتاب الورقي في القراءة في شتى المجالات، فالكتاب الورقي هو أساس الحراك الثقافي في العالم، ووثيقة الإبداع الرسمية، ولكنا لا نغفل دور الكتاب الإلكتروني فهو يعد امتدادًا للكتاب الورقي، فعلينا الاستفادة من كل ما فيه من عمل إيجابي، فالجيل الجديد متعلق بالتقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فلا يمكن الحد من اهتمامهم بهذه التقنية التي أصبحت جزءًا أساسًا في حياتهم، فالكتاب الإلكتروني يسعى إلى وضع بصمة له في عالم القراءة. مشيرًا إلى أن الكتاب الإلكتروني له بعض المزايا فهو متوافر بكثرة، يسهل الوصول إليه أكثر من الكتاب الورقي؛ ولذلك فإن الكتاب الورقي والإلكتروني مكملان لبعضهما، لأن الهدف هو شيوع القراءة وزيادة الثقافة بين المجتمعات. تأقلم عصري الروائي الشاب هاجد محمد أشار في مستهل مداخلته إلى أهمية معارض الكتاب فهي التي تجعل الناس يقبلون على القراءة بنهم وشغف وهذا الأمر يجعل منها محركًا للمشهد الثقافي في مختلف المجالات. مؤكدًا الكتاب الإلكتروني بدا بسحب البساط من الكتاب الورقي الذي ظل مهيمنًا وقتًا طويلاً، مشيرًا إلى أن العالم يمر الآن بعصر السرعة الذي يتطلب تواجد القراءة السريعة التي تتواكب معه وهذا الأمر لا يتفق مع الكتاب الورقي ولكنه متفق مع الكتاب الإلكتروني الذي من الممكن الوصول إليه بيسر وسهولة على عكس الورقي. مطالبًا بأن يكون هناك تواجد لمكتبة رقمية تعين الباحث عن الكتاب وتوفر عليه الوقت والجهد خاصة إذا كانت في أفضل حالاتها لتكون نقلة نوعية من الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني. مشيرًا إلى أن كثرة القراءة من الأجهزة الإلكترونية لوقت طويل لها آثار خطيرة على العين. مبينا أن الأهم هو القراءة في المقام الأول سواءً من خلال الكتاب الورقي أو الإلكتروني، خاصة القراءة المفيدة التي تجعل القارئ يواصل القراءة ولا ينقطع عنها؛ لذلك يجب أن يؤقلم الإنسان نفسه مع القراءة ويتعايش معها. المزيد من الصور : a href="http://www.al-madina.com/node/518663/اتفاق-على-تميّز-معرض-الكتاب-واختلاف-حول-صراع-"الورقي-والإلكتروني".html" rel="nofollow" target="_blank"صحيفة المدينة