للأسف هناك إرادة استبقاء امتيازات كل الجماعات المسلّحة في البلاد دون استثناء، ما يمثّل اتساعاً مشيناً لثغرة شديدة التوسُّع في الهوية الوطنية والمنطق الوطني السوي، فيما الدفاع عنها يعد دفاعاً عن التخلُّف والغلبة والقوة والكراهية والتحيزات والعصبويات والأزمات والمشاريع الصغرى ما قبل وطنية أساساً. ولئن يتم اعتبار «القاعدة» كضحية وحقيقة حميمة قائمة يروّج لها بنوع من الألفة كي يتم الإنصات غير الطبيعي لها؛ فإنه لا يمكن القبول بهذا الابتسار التعسفي كون الدولة والمجتمع ضحايا مسارها السيئ في الأساس. بل لعل نزعات التكفير والقتل واحتكار الحقيقة الدينية لا يمكن محاباتها على الإطلاق بصفتها ليست الثقافة المتميّزة اللائقة بحلمنا الجمعي للتطوير وللتقدّم؛ فما بالكم ونحن أمام منعطف نهضوي تاريخي كما يُفترض..؟!. والحاصل هو أن مفهوم الوطن يسقط في وعي الإسلام السياسي سنّياً كان أم شيعياً؛ بمعنى أن الهوية الوطنية تصبح هي الدينية فقط، فتهان أحلام الدولة المدنية من قبل أولئك الذين يشوّهونها ويفرغونها من مضمونها قياساً وتأجيجهم الدؤوب للمذهبيات؛ بحيث يقدم هؤلاء على التحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مآربهم العليا تلك، فيتم التفريط بالوطن لصالح مشروعي الخلافة أو الإمامة، ويتم احتقار الفرد كما يمحق مفهوم الشعب بشناعة ممنهجة، وتكون مصلحة الجماعة المنفّذة للحكم قبل مصلحة الوطن دائماً؛ كذلك تتفاقم فكرة "الجهاد" ومنطق "لا صوت يعلو فوق صوت الفتوى"في حين تتخرّب قيمة الوحدة الوطنية؛ ويكون المعنى الوحيد للهيئات الدينية التي تزعم التعبير عن الشعب بالتشدُّّد والقوة. باختصار: ينغلق المجتمع على نمط أحادي التثقيف أكثر ما يتسم به هو التعصب؛ بينما تُصاب بالشلل مفاهيم القانون والحريات والانفتاح وحقوق الإنسان. يزداد الطين بلة أن الدولة الدينية تزعم احتكارها الحقيقة الدينية، ولا مجال لحرية الرؤية المخالفة أو للاختيار الآخر إلا نادراً وبمشقّة. بالمفتوح: يزدهر الكهنوت البائد، ويخاصمنا المستقبل التقدُّمي، ونكرّر: لا لاستبقاء امتيازات كل الجماعات المسلّحة في البلاد، لا وألف لا. [email protected]