بشكل مجنون كانت تتم بولسة الدولة ، حتى صارت الوظائف بإشراف الأمن . تم ذلك على مدى 33 عاماً بشكل معلن احيانا، واحياناً بشكل شبه سري في أبنية دولة هشة ورخوة وغير عادلة وموبلسة أيضاً، كما بصفاقةٍ كان يمكنك ان تجد -في السنوات العشر الاخيرة -من يعرض عليك الإنتماء للحزب الحاكم لتنال رضى التعيين الذي تستحقه- أو الترقية -مالم فإن الإستثناء سيكون حظك . على إنه المجال الأمني العالي الذي كان سيجعلك تعتقد بأن الشعب كله يمثل خطراً على البلاد..! مع أنه لايوجد مفهوم منطقي أوجدير -تم خلال تلك المدة- لأمن البلاد المكشوف وغير المشرف أصلاً. ثم ماذا كان يعني الأمن ضد المعارضين واصحاب الراي ليتم تطويق حقوقهم في مجتمعنا الذي لم يزل يعاني خيبات الأمن فيه على هذا النحو الذي افقد الدولة هيبتها المفترضة وجعل المجرمين والفسدة هم اهل الكلمة الفصل. بمعنى آخر: ليس ثمة اهداف وطنية كبرى جرى تحقيقها بالفعل عبر هذا الأمن، تتسق وأحلام شعبنا المغلوب على أمره بالأمن الحقيقي الذي يأمل ويريد ، الأمن الذي يحقق الأمن للخائفين ويصنع السلام وليس الأمن الذي يخوف الآمنين بالأمن المعكوس ويستخدمه المسيطرين على الدولة لتنفيذ ثاراتهم من الذين لايسبحون بحمد سياساتهم السيئة. وبالتأكيد لم يكن هناك سوى أمن النظام بأحاديته الفئوية وكل معاييره الولائية العنيفة ، فيما الفرق واضح بين أمن الدولة من اجل مصلحة المواطن وبين أمن النظام الحاكم من اجل مصلحة عصابته. احد المقاولين مثلاً أكد لي أن المناقصات كانت لاتمنح للمتقدمين سوى بحس أمني تام حتى لو طبق كل المعايير المطلوبة.. وهذا مثال آخر من أمثلة شتى لمعايير الأمننة التي طغت على كل شيء في البلاد ،بل وخربت مفهوم الضمير الوطني السوي. فعلاوة على أنها المعايير الضيقة التي تستلب الناس كرامتهم ، ولاتحترم معايير الدمقرطة والكفاءة ، الا أنها تجعل النظام الحاكم فاشلاً في إختباراته الوطنية على مستوى الأخلاق واحترام المعايير ، بحيث تقدم صورته الفعلية بصفته نظام الهيمنة القسرية الذي يضعف تحكم الناس بإرادتهم ، فيما ليس من تبرير واقعي لسلوكه ذاك غير أنه الشمولي الذي يخاصم فكرتي الحق والعدل على قاعدة تعسف الإنتقاء المزاجي والإضطهاد ، لا قاعدة المواطنة المتساوية. وبالمحصلة فإن الدولة العقلانية هي الدولة غير التمييزية التي تمثل آمال الكل وليس الجزء ، وأما مفهوم الدولة لدينا فقد كان ينطوي على ممارسات غاشمة كما يقوم على لامنطقية شعار : “ نحن ..ومن بعدنا الطوفان “. لذلك فإن معايير منطق الترغيب والترهيب اللذان كانا شائعين بذلت قصارى مالديها من اساليب -غير خيرة- كي يكون الجميع كتلة واحدة بلهاء وصماء وتبتهج لشرور الدولة فقط . والحاصل في السياق أن النظام الحاكم كان لايأبه بأبعاد الإحتجاجات الشعبية التي ظلت تتفاقم حتى تكللت بقعل الثورة رغم بداهة “الطفش” المجتمعي الواضح ، جراء طغيان نزعة الأمننة التي تنزع مفهوم المدنية عن الدولة تماماً . أي أنه كان يرفض الاصلاح والعقلنة ، كما كان عصياً على الاعتدال والتمدن بالتالي ، فيما كان عصياً انبثاق الدولة مع أمن الناس ولأمن الناس –بحريات وحقوق كاملة- في ظب الولاءات غير الوطنية أوعسكرة المجتمع . و هكذا : خلص النظام الحاكم لجموح غرائزه الأصيلة في الجنون بمصالحه جيداً ، مع انها مصالح وقتية مرفوضة ستبقى مهما أعتقد بنجاحها في فرض إستمراره حاكماً ولكنه لم يكن يفهم على الاطلاق ، إذ للتاريخ حكمته التي لامثيل لها في إنصاف الشعوب المقهورة ، واعادة الإعتبار المنطقي لمعنى الدول وكرامة المواطنين وقيمة الانصاف والديمقراطية الحقيقية . مابدا “ بدينا “ عليه مابدا “ بدينا “ عليه : قاعدة ابداع السياسة اليمنية، -وعقل الحكم المخبول منذ عقود - في نمطية السوء والتأزيمات .. مابدا “ بدينا” عليه : استراتيجية فساد اللامسؤولية واللا تخطيط تنفيذاً لاجراءات الخلل الحثيثة في احتقار المستقبل [email protected] رابط المقال على الفيس بوك