في برنامجه مع هيكل الذي كانت قناة الجزيرة تبثه اسبوعيا، تحدث الاستاذ والمفكر محمد حسنين هيكل في احدى الحلقات عن الديمقراطية في الدول الواعية شعوبها والمثقفة بها، وفي الدول التي تتعاطى معها طبقا لقاعدة "ما بدى بدينا عليه" وقال ان الناخبين حينما يمنحون اصواتهم لمرشح معين وبعيدا عن "استحمار الوعي" وحتف الزقم "بكم قرش" يتوقعون من ذلك المرشح في حالة فوزه "بارادة الناخبين" لا بارادة مكر الثعالب وخداعهم، يتوقعون في حسابات المقايضة بين الاصوات الممنوحة له والثقة فيه وبين الواجب الملقاة على عاتقه ان يكون خير ممثل بهم سواءً كان في قمة الهرم النسقي او في وسطه او في سفوحه، بمعنى ان يفي بما وعد ولا ينكث بهم بعد ان يكون قد صعد حتى يكون عند مستوى المؤمن الذي اذا قال صدق واذا فكر بالذين تسلق على اكتفاهم ، ومن موقع المسؤول تفانى في العطاء واغدق. وعلى ضوء ذلك وحتى لا يختل التوازن بين الحق والواجب اقترح هيكل بان يتم تطوير القوانين ذات العلاقة بالانتخابات بحيث يتم استحداث مادة في القانون تجيز للناخبين مشروعية عزل مرشحهم ذاك والفائز "باكسير اصواتهم" ووصفه ثقتهم فيه" قبل فوزه في حالة ما يثبت لاؤلئك الناخبين بانه مارس عليهم الخداع وتحول من "حمل وديع" الى "أسد رضيع" منضوي تحت سقف "المتخمين وعلى حساب "المعدمين" ونعت" ذلك الاستحقاق ب"شرعية الإرادة العامة" واضاف هيكل بان من حق الناخبين في حالة استحداث مثل تلك المادة ان لا يقف دورهم عند حد "قلع ونزع" ذلك المرشح او الممثل بهم، وانما يتجاوز ذلك الى حد مساءلته ومعاقبته "بالنبذ الاجتماعي" جراء مكره وخيانته للامانة وتحوله بعد ان تمسكن وتمكن الى "شاهد ما شفش حاجة" سوى ممر الثراء والتكسب غير المشروع.
القبة المرسية تلك هي الفكرة "الهيكلية" الباهرة التي اجزنا لانفسنا تطعيمها "بالفلافل" "وملح الطعام" تذكرتها عقب سماعي لخطيب جامع القبة الحاج محمد "شكرا" او "مرسي" باللغة الفرنسية وهو يتحدث وكما لو كان في عمر الحدث محكوما بقاعدة "الكرسي او الموت" وقد كان في حقيقة الامر معذورا في مجمل مضامين ما ورد في خطابه الانشائي "المشيئي" من كونه لم يتشرب "فقه السياسة" ولا يجيد سوى احتراف اللفظ التحريضي والتفكير بعقل المرشد "غير الراشد" والمستجر لثقافة "بوكاسا الدموية" وعنتريات "احمد شوربان" ولأنني استنتجت و99.99% من المتابعين لخطبة جمعة "القبة المرسية" بان "المنتحر" مرسي قد زرع بذور فنائه جراء فهمه المقلوب للشرعية، وذهابه وبجهل لا يحسد عليه الى تفصيلها على مقاس مصالحة الضيقة وتغليب "البيعة العصرية " على الضيعة المصرية، بالاضافة الى انني كنت قد شربت من ماء نيل ام الدنيا التي كشف مرسي من خلال مواعظه عن حرصه الخاسر على "تكسيحها" وبتحد سافر لارادة الملايين الذين "نشل مرسي" ومن والاه ثورتهم كتأصيل لعادة ماضوية جُبل عليها اخوانة المفلسين قررت ان اوضح له ولمن على شاكلته من الحالمين بعودة سلطة وتسلط السلطان عبدالحميد ماذا تعني "الشرعية" بعد ان تبين لي بان "حملة المباخر" من اتباعه المرابطين في زاوية رابعة العدوية جرهم جهلهم الى مستوى عدم التمييز بين "الشرعية" والشريعة وهم يرفعون شعاراتهم "اللا شعورية" والمملاه عليهم من داخل داخل الداخل وحوزة المرشد.
الكمي والكيفي لقد تحدث الحاكم المخلوع بالإنابة عن الاخوان المتسلطين الحاج محمد والذي كان قد حصد "بالكاد" خمسة ملايين صوت ويزيد في انتخابات الجولة الاولى وهي الاصوات التي توازي الخمس من قوام الناخبين والناخبات متناسيا بانه اكتسب الشرعية "في الشوط الثاني" ومتنكرا في ذات الوقت بانه فقد تلك الشرعية المفسرة والمفصلة على مقاسات عرشه وكرشه في ال30 من يوليو الجاري مجسدا بذلك تهربه وعدم اقتداره على وضع الحلول ومن واقع اسقاه عجزه وتعاجزه غظ طرفه على ما يتجاوز ال22 مليون ممن اسماهم "بالفلول" برغم انه في خطبته السليمانية اعترف باقترافه لاخطاء دون اي أكتراث من قبله او اعتراف لشرعية الشارع بشقيها "الكمي والكيفي" ولذلك كان خطابه افتقر للعقلانية والعاطفة معا، لأن العاطفة في حياة الشعوب امر اساسي، فحب الوطن وحب العمل عاطفة انما برغم ذلك فان الامر كان يستوجب ان يقرن التأثر بالعاطفة مع درجة كافية من العقلانية حتى يكون فكرنا وتصرفاتنا وسياساتنا كلها قائمة على العقل "غير الحجري" والقلب النابض والمفعم بالحب وذلك ما افتقده الحاج محمد في خطبته العرجاء.
الانصياع والتفسير ان الشرعية قد تكون هي اكثر الشروط حاجة الى الانصياع والتفسير لانها تختلط من الوهلة الاولى بالقانونية اي بالجانبين القانوني والشكلي للشرعية في حين انها في مجال السياسة وفلسفتها وفي مجال الحكم اوسع من ذلك واعمق في معناها ومفرداتها. ولذلك قال المفكر السياسي "ماكس فيبر": "بدون الشرعية غير المجيرة فان اي حكم او نظام يصعب عليه ان يملك القدرة الضرورية على ادارة الصراع وجراء ذلك اثبت الحاج محمد عقب البيان الصادر عن القوات المسلحة بانه يمتلك الاقتدار على "تدوير الصراع" واذكاء واشعال فتائله، بدليل قيامه ومن موقع استغلاله لعناصر الثروة والسلطة والنفوذ بالدفع بمجاميعه لتنزل الى الشوارع لا بهدف المبارزة بالارقام وانما بهدف انتاج الصراعات ورفدها بالعنف الرسمي المباح وتعطيل حركة الشارع "كقطع طريق صلاح سالم" الممتد من مطار القاهرة حتى المهندسين.
احقية السلطة ان الحكم او الحاكم في محاولته امتلاك عنان الامور وزمامها وكذلك القدرة على مواجهة المشاكل والتحديات تختلف قدرته وكفاءته اختلافا كبيرا بين حالة يكون فيها الناس معه وحالة يكون فيها الناس ضده. أو ليسوا معه، سواءا كانوا ضده بالاعتراض والرفض والمقاومة او بالسلبية والاهمال وعدم التفاعل معه. وطبقا لهذه المفاهيم اسهم الحاج محمد في محاصرة ذاته بدليل تخلصه من طنطاوي واساءته الظن بالسيسي وتقمص دور القضاء ورفض مقترحات السيسي عليه ما جعل المعارضة ضده تتسع والتأييد والمسانده له تاخذ بالتمدد بدليل تساقط اركان حكمه كرد فعل لضعفه ونزعته الديكتاتورية. وثانيا فان اي حكم قد يتمكن من تحقيق استمرار وضع ما عن طريق القوة او البلوغ بها او العادة، ولكن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تظل قلقة ومصدر ضعف السلطة للوطن معا، الى ان يقتنع المحكوم بجدارة الحاكم واحقيته في ان يحكم ويدير له اموره عنه، فاقتناع الشعب باحقية السلطة وجدارتها هو جوهر الشرعية ومفرداتها بصرف النظر عن المحاججة بالمدى الزمني طال او قصر، لان ذلك الاقتناع لا تغني عنه كل اشكال السطوة والرهبة والنفوذ حتى ولو احاطت مثل تلك السلطة بعشرات الدساتير والقوانين وقد يقبل المواطن بسلطة الحكم عليه لالف سبب وسبب، ولكن الشرعية هي ان يجد المحكوم ان من المقبول عنده والمناسب له ان يضع متطلبات النظام السياسي القائم او يجد انها تتسق مع امانيه وتطلعاته، وذلك ليس لمنفعة شخصية مباشرة له ولكن بمعنى المنفعة العامة وعلى المدى الطويل. والشرعية بهذا المعنى اوسع من التأييد والمعارضة فقد يكون هناك من يعارض السلطة وقد تتذمر الناس من بعض قراراتها او ترددها ولكن هذه امور طبيعية وحتمية لا تنفي الشرعية بمعناها القانوني الموضوعي والحيادي طالما شعر المواطنون ان السلطة في توجهها العام سلطة وطنية منطقية مع التاريخ ومخلصة في المجموع لارادة الشعب وليس لفئة، وللقيم العامة التي تربط ابناء الوطن الواحد وبعضهم ببعض.
التعدد السائد ان الشرعية هي معيار مستمد من نظر المحكوم الى السلطة وليست مستمدة من طريق وجود السلطة او الاسلوب الذي سلكته للوصول الى الحكم وانما هذه اشكال للسلطة وليست هي التي تحدد ما اذا كان موقع السلطة من الناس هو موقع "القوة" او موقع النفوذ، والسلطة في كل زمان ومكان تحتاج الى القوة لضبط حياة المجتمع في حال خروجه غير المبرر على المعايير ولكنها لا تكون شرعية اذا كانت تعتمد على القوة لغرض برجماتي ضيق، انما تكون شرعية اذا كان لها لدى الناس قوة النفوذ لا "نفوذ القوة" ، ومن تابع خطاب مرسي يوم الثالث من يونيو المنصرم يستنتج بانه يظمر على استخدام القوة "غير الرسمية" اي قوة حزبه، وهذا هو الضعف والارهاب بعينه. ولما كان الحاج مرسي عاجزا او عجز عن التعاطي مع الشرعية القانونية كان من المتوقع ان يكون سببا في توليد الشرعية الشعبية وبالتالي فان الاخوان الذين اعطيت لهم فرصة للاختبار والتجريب اثبتوا وخلال فترة وجيزة بانهم غير مؤهلين للتعاطي مع مقتضيات السياسة وبطريقة تعزز من المواطنة المتساوية لا تفتيت النسيج الاجتماعي برغم التعدد السائد.