عشرات القتلى والجرحى بقصف متبادل وباكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية    الكشف عن الخسائر في مطار صنعاء الدولي    الإرياني: استسلام المليشيا فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها والمضي نحو الحسم الشامل    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    إقالة بن مبارك تستوجب دستوريا تشكيل حكومة جديدة    57 عام من الشطحات الثورية.    إنتر ميلان يحبط "ريمونتادا" برشلونة    الحوثيين فرضوا أنفسهم كلاعب رئيسي يفاوض قوى كبرى    مكون التغيير والتحرير يعمل على تفعيل لجانه في حضرموت    الإمارات تكتب سطر الحقيقة الأخير    صرف النصف الاول من معاش شهر فبراير 2021    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    في الدوري السعودي:"كلاسيكو" مفترق طرق يجمع النصر والاتحاد .. والرائد "يتربص" بالهلال    إنتر ميلان إلى نهائى دورى ابطال اوروبا على حساب برشلونة    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    تحطم مقاتلة F-18 جديدة في البحر الأحمر    لماذا ارتكب نتنياهو خطيئة العُمر بإرسالِ طائراته لقصف اليمن؟ وكيف سيكون الرّد اليمنيّ الوشيك؟    الخارجية الأمريكية: قواتنا ستواصل عملياتها في اليمن حتى يتوقفوا عن مهاجمة السفن    طالبات هندسة بجامعة صنعاء يبتكرن آلة انتاج مذهلة ..(صورة)    بين البصر والبصيرة… مأساة وطن..!!    التكتل الوطني: القصف الإسرائيلي على اليمن انتهاك للسيادة والحوثي شريك في الخراب    محمد عبدالسلام يكشف حقيقة الاتفاق مع أمريكا    الرئيس المشاط: هذا ما ابلغنا به الامريكي؟ ما سيحدث ب «زيارة ترامب»!    بامحيمود: نؤيد المطالب المشروعة لأبناء حضرموت ونرفض أي مشاريع خارجة عن الثوابت    اليمنية تعلق رحلاتها من وإلى مطار صنعاء والمئات يعلقون في الاردن    تواصل فعاليات أسبوع المرور العربي في المحافظات المحررة لليوم الثالث    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الكهرباء أول اختبار لرئيس الوزراء الجديد وصيف عدن يصب الزيت على النار    سحب سوداء تغطي سماء صنعاء وغارات تستهدف محطات الكهرباء    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الثلاثاء 6 مايو/آيار2025    حكومة مودرن    أكاديميي جامعات جنوب يطالبون التحالف بالضغط لصرف رواتبهم وتحسين معيشتهم    تحديد موعد نهاية مدرب الريال    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    ودافة يا بن بريك    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    برشلونة يواجه إنتر وسان جيرمان مع أرسنال والهدف نهائي أبطال أوروبا    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    الثقافة توقع اتفاقية تنفيذ مشروع ترميم مباني أثرية ومعالم تاريخية بصنعاء    من أسبرطة إلى صنعاء: درس لم نتعلمه بعد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    مليون لكل لاعب.. مكافأة "خيالية" للأهلي السعودي بعد الفوز بأبطال آسيا    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    إلى متى سيظل العبر طريق الموت ؟!!    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة تحليلية: تفعيل دور المجتمع المحلي للحفاظ على السلم الاجتماعي
نشر في عدن الغد يوم 30 - 10 - 2013


كتب/ د. قاسم المحبشي

تمهيد :
تقوم حياة الناس الاجتماعية وتستقر وتستمر وتزدهر بثلاثة مقومات أساسية عضوية نسقيه تفاعلية فعل علاقة بنية ,بدونها يستحيل الحديث عن الظاهرة الاجتماعية بوصفها ظاهرة قابلة للرؤية والدراسة , وهذا ينطبق على كل النسق المجتمعي كله من خليته الأولى الأسرة وحتى اعلي أشكال ومظاهر الاجتماع الإنساني في مستوياته الأعلى والأكثر تركيبا المجتمع العالمي ويقع الإنسان بوصفه فاعل اجتماعي في قلب هذه العملية التاريخية , إذ إن كل فعل حتى يكون اجتماعيا يتطلب وجود علاقة مع فاعلين اجتماعيين مشابهين ومتماثلين يدخلون مع بعضهم البعض في علاقة تبادلية تفاعلية حية ومباشرة متكررة ومستمرة ومطردة وهذا ما يجعل من العلاقة تتحول إلى بنية أو مؤسسة أو إطار يتصف بالدوام والثبات النسبي , وبهذا المعنى يمكن لنا النظر إلى فعل التزاوج الأول بين أبونا آدم وأمنا حواء الذي اكتسب صفته الاجتماعية بوصفه علاقة بين فاعلين اجتماعيين , علاقة تزاوج التي بفضلها واستمرارها واضطراها صارت الأسرة بنية ومؤسسة اجتماعية تقليدية جوهرية في حياة المجتمعات البشرية , من هذه الخلية الأولى تناسلت عبر التاريخ سلسلة واسعة من البنى والأنماط والأطر المؤسسية الاجتماعية , التقليدية والحديثة , عشائر قبائل أقوم شعوب أمم , قرى مدن ودول ... الخ من أساليب وصور العيش الاجتماعي للناس . غير أن الحياة الاجتماعية بكافة صورها وإشكالها البسيطة والمركبة لا يمكن إن تستمر دون وجود وسائل فعالة وقواعد عقلانية لحل المشكلات والنزاعات الاجتماعية التي تكتنف حياة كل مجتمع .

وإذا ما حاولنا النظر إلى المجتمع من هذه الزاوية المنهجية زاوية الثابت والمتغير السكون والحركة فيمكن لنا فهم المعاني المحتملة للمصطلحات الحديثة , مجتمع محلي , سلم أهلي نخب فاعلة دور اجتماعي شبكة اجتماعية معايير عقلانية للعيش المشترك في مجتمع أمن عادل ومستقر .

وتأتي محاولتنا هذا المعنية بدراسة دور المجتمع المحلي في حفظ السلم الأهلي استجابة ملحة لتحديات خطيرة أخذت تتهدد مجتمعاتنا المحلية على امتداد الجنوب كله وذلك بعد غياب الدولة التي دمرتها الحرب الغاشمة في 94 م وليس بخافٍ على أحدٍ ذلك الوضع الفاجع الذي وصل إليه حال مجتمعنا المحلي في بلاد الجنوب المسلوب , من حيث كثافة التهديدات والمخاطر التي يتعرض لها كل يوم السكان فلم يحدث في تاريخ الجنوب عامة والمحافظات الجنوبية تحديدا ما تشهده اليوم من تهديدات أمنية ومخاطر محدقة في ظل عجز شامل في القدرة على مواجهتها أو التصدي لها بأي وسيلة كانت , بل باتت حياتنا اليوم أشبه بقلعه مهدمة الأسوار , مكشوفة ومنكشفة بلا حماية ولا مقاومة، وفي مهب العاصفة، باتت كسفينةٍ تائهةٍ في عرض البحر تتقاذفها الأمواج والعواصف في كل اتجاه، ولا يلوح في الأفق بارقة أمل لإنقاذها.



فماذا نقصد بالمجتمع المحلي ؟



مصطلح المجتمع المحلي يطلق عادة على جماعة صغيرة من الناس يتقاسمون العيش في مكان واحد , قرية أو حي سكني أو مدينة صغيرة أو مصنع أو شركة , ويرتبطون في شبكة علاقات تضامنية وحميمة , تجمعهم مصالح حيوية في تأمين مجتمعهم وحمايته من التهديد والاختراق ويذهب بعض علماء الاجتماع إلى تقسيم المجتمع الحديث إلى أربعة مجالات المجال الخصوصي العائلة البيت , والمجال المحلي المجتمع الحي القرية المجتمع الأهلي أو المدني والمجال الاقتصادي السوق والمجال العام السياسة .

نطلق مصطلح السلم الأهلي


بمعنى العيش بأمن وأمان وسلام والأمن في أساسه الاجتماعي "يعني غياب الخطر المادي والحماية من القلق النفسي، فهو إذن يتضمن جانبين، التحرر من الحاجة ومن الخوف".وعرفه البعض على أنه: الكفاية المعيشية لأفراد المجتمع واكتسابهم لحقوقهم الأساسية والسياسية في الصحة والتعليم والعمل، وحمايتهم من ظروف الأزمات والطوارئ، فالكفاية الاقتصادية والمعيشية تعد عنصراً من عناصر الاستقرار وحفظ التوازن النفسي والعاطفي ) إما العالم روبرت مكنمارا فيعرف الأمن بأنه ( التطوير والتنمية سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة).من هنا نرى أن هناك علاقة وثيقة بين الأمن والتنمية، فالتنمية معنية بإزالة مختلف العقبات التي تعوق الحياة الإنسانية، وتقف حائلا دون ازدهارها، وكما مر بنا في المباحث الماضية فإن مضمون فكرة التنمية البشرية واسع ولها صفة "حنائية" لكونها متصلة بالتقدم والنمو والأمن الاجتماعي، من خلال الاهتمام المباشر بالخدمات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية كافة.

ومفهوم الأمن الاجتماعي يُستخدم في بعض الأحيان ليُعبّر عن الضمان الاجتماعي أو برامج التأمين الاجتماعي, وتقديم الخدمات للشباب وللكبار والمسنين والمتقاعدين..الخ.

لكن مفهوم الأمن هو من السعة والشمول بحيث يتجاوز الضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي، وهو يرمز إلى الحماية من خطر المرض والجوع والبطالة والجريمة والصراع الاجتماعي، والقمع السياسي، والمخاطر البيئية، فبالنسبة لمعظم الناس يمثل الأمن إشباع حاجاتهم الاقتصادية والحصول على أعمال، أو وظائف تؤمن لهم الحاجات الإنسانية الأساسية، وأن تكون أحياؤهم السكنية آمنة من الجريمة، وهو ما أكّد عليه الرسول الكريم بقوله: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسمه، معه قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها

وقد وضع عالم النفس الأمريكي الشهير "ابرهام ماسلو" (1908 – 1970، صاحب نظرية "الحاجات الأساسية الخمس" المعروفة "بهرم ماسلو ") الحاجة للأمن في المرتبة الثانية بعد الحاجات الفيزيولوجية , باسم حاجات السلامة safety needsالتي تتضمن الأمن والحماية والاستقرار والبناء, والقانون والنظام والتحرر من الخوف والفوضى ,وهذه الحاجات مشتقة من استجابات الأطفال السلبية للأحداث الفجائية وغير المتنبئ بها وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال والراشدين الذين يتعرضون لخبرة التهديد وفقدان الأمن يكونون مدفوعين بمثير قوى ومهيمن, يفقدون فيه القدرة على التفكير السليم في مواجهة المشكلات والتحديات المختلفة , فالخوف يشل القدرة على الاستجابة العقلانية.وهذا ما المح إليه عالم النفس التربوي الأمريكي آرثركمومز في كتابة "خرافات في التربية" إذ يرى (أن، التهديد يعيق مسار السلوك الإنساني السوي. فحينما يشعر الناس بالتهديد يعجزون عن معالجة المشكلات بكفاءة وتضيق مدركاتهم نحو الشيء المهدد فالخوف والفزع والهلع والرعب والذعر وكل حالات فقدان الأمن تدفع الناس إلى اتخاذ مواقف وردود أفعال خطرة على حياتهم و مجتمعاتهم) .

ولعله من المفيد هنا أن نورد لمحة عن نظرية ماسلو في الحاجات الأساسية كما وضعها في هرمه المشهور ولما حازت عليه من أهمية علمية وقيمة عملية .وقد ميز ماسلو الحاجات الأربع الأساسية الأولى باعتبارها حاجات نقص أو حاجات مجموعة D وهي حاجات يسمح إشباعها للفرد بان لا يكون فريسة المرض الجسمي وسوء التوافق النفسي .ولا يمكن الانتقال إلى حاجات النمو G الذي وضعها ماسلو في قمة الهرم وهي حاجات تقبل الذات وتقدير الذات و تفعيلها ونموها إلا بعد إشباع الحاجات الأساسية الذي يعد الأمن والسلامة والاستقرار أهمها، إذ أن شعور الإنسان بالخوف والتهديد والفزع يجعل مطلبه الملح في هذه الدنيا البحث عن مكان أمن. وهذا ما نلاحظه كل يوم في تجربة نزوح السكان من المناطق التي حولتها الحروب و أعمال العنف إلي جحيم لا يطاق كما هو حال سكان زنجبار وغيرها من المناطق المنكوبة.

وقد شغل موضوع الأمن والتنمية والاستقرار معظم علماء الاجتماع منذ أقدم العصور وذلك لأنه يتصل اتصالاً عميقا ً بالمخاطر والتهديدات و المخاوف التي تحيط بالإنسان من جميع الجهات .

وقد أكدت جميع الشرائع السماوية والوضعية التقليدية والحديثة على حق الإنسان بالحياة الآمنة والمستقرة والعيش الكريم , كما جاء بقوله تعالى : ﴿ولقد كرمنا بني ادم ﴾ [سورة الإسراء الآية 70]، ويقول تعالى: ﴿ الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾ [سورة الأنعام، آية 82] ، وقال الرسول محمد صلى الله علية وسلم :( فإنَّ الله حرَّم عليكم دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم كحُرمةِ يومِكم هذا في شَهرِكم هذا في بلدِكم هذا).

وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10ديسمبر 1948م , نصت المادة الأولى «يولد جميع الناس أحراراً ً متساويين في الكرامة و الحقوق . وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا ً بروح الإخاء» وفي المادة الثالثة «لكل فرد حق في الحياة و الحرية وفي الأمان على شخصه»

وفي المادة «لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته , وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية وله الحق في ما يؤمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذالك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه ».وهكذا نلاحظ مدى أهمية وحيوية الحاجة إلى الأمن والأمان والتنمية والاستقرار للأفراد والجماعات والدول .

وفي ذلك جاء تحذير ابن خلدون في كتابه المقدمة في أن الظلم مؤذن بخراب الدول إذ كتب (أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتهم ومصيرهم انتابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم على السعي في ذلك وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب ) المقدمة

ولسنا بحاجة إلى الإتيان بالمزيد من الشواهد النظرية لتأكيد التلازم الوثيق بين المجتمع المحلي والسلم الأهلي , ودور النخب الاجتماعية الأهلية والمدنية والثقافية والدينية والاقتصادية في حل النزعات بالطرق السلمية.

معنى النخب الاجتماعية:

مصطلح يطلق على الأشخاص الفاعلين في المجتمعات المحلية الذين يتمتعون بمكانة اجتماعية مقدرة خير تقدير عند أفراد المجتمع المحلي وتمنح لها ادوار وظيفية أهلية الأعيان ورجال الدين والقضاة والمعلمين والنشطاء والمدراء وغيرهم ممن يحظون بتقدير وثقة مجتمعهم المحلي.

النزاعات وأنواعها وموضوعاتها :

ثمة اختلاف بين الدارسين في تعريف النزاعات وقد عرفها البعض مصطلح النزاع بأنه التنازع بين مجموعات مختلفة ( اجتماعية , سياسية، اقتصادية ، ثقافية, دينية.الخ.) من خلال مخالفات غير منطقية لأعراف الحياة اليومية للمجتمع. غير أن ممارساتها غير المنطقية لا تمنع وجود أسباب وأهداف منطقية تقف وراءها، كما هو مشاهد في مطالب العديد من الأقليات الدينية والعرقية والسياسية. وفي التاريخ الإسلامي أثر عن الصحابي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قوله "عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يحمل سيفه ويخرج باحثا عنه"، وهو ما يعبر بوضوح عن وجود أسباب منطقية لما تعيشه المنطقة العربية من نزاعات داخلية.وهناك من عرف النزاع بأنه انهيار أو تعطل في النظام الاجتماعي والسياسي القائم دون أن يصحبه بالضرورة بروز نظام بديل كما كان في الصومال وقبله لبنان. وتحدث آخرون عن مفهوم النزاع من خلال تحديد الظروف الموضوعية لبروزه، فيوجد النزاع عندما تلاحظ مجموعتان أو مجموعات أن مصالحها متناقضة أو التعبير عن مواقفها أصبح يتم بعدائية أو تحاول تحقيق أهدافها بأعمال تؤدي إلى الإضرار بالمجموعات الأخرى. وقد تكون هذه المجموعات أفرادا أو مجموعات صغيرة أو كبيرة. يعتبر علما النفس والاجتماع أن النزاع هو كل تنافس بين الأفراد والجماعات في المجتمع. وبناء عليه انقسم النزاع إلى سلمي وعنيف: النزاع السلمي عندما تتحقق المصالح والمطالب المتعارضة باستخدام آليات مقننة ومنضبطة يصبح النزاع سلميا. ومن هذه الآليات: الدساتير والقوانين، والتكوين الأسري والعشائري، ونظم التحاكم، والأحكام الدينية، والأعراف والتقاليد، والحوار والمؤتمرات. وتراوح هذه الآليات بين كونها غير رسمية وكامنة في العقل الاجتماعي والفردي، وبين كونها رسمية ومدونة. ومن أمثلة الأخيرة الانتخابات وما يعطيه الدستور من حقوق للأفراد والجماعات من وسائل للتعبير والمطالبة بالحقوق العامة والخاصة. وتسمى هذه الضوابط مجتمعة "نطاقات السلام" فتمنع تلك التناقضات من أن تتحول إلى نزاع عنيف ومدمر. النزاع العنيف :

يصبح النزاع عنيفا عندما تتخلى الأطراف عن الوسائل السلمية، وتحاول السيطرة أو تدمير قدرات المخالف لها لأجل تحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة. وكما ذكر سابقا فإن النزاع لا يحدث إلا في ظل توفر ظروف موضوعية أو شخصية محددة.

ويذهب بعض الباحثين إلى إن أبعاد النزاع العنيف يمكن تحديدها في أربعة عناصر وهذه العناصر هي:

1. المسائل الجوهرية (الأصلية)، وتكون في احتدام الجدل بشأن التنافس على الموارد الطبيعية، والسيطرة على الحكم، وتحديد صلاحيات الأقاليم والمناطق، والأيديولوجيات الحاكمة.

2. الأطراف أو مجموعات النزاع، سواء أكانت عرقية، أم دينية، أم إقليمية، أم تيارات سياسية.

3. أنواع القوة المستخدمة وطرق الإكراه، مثل أسلحة الدمار الشامل، والإرهاب، والانقلابات، والإبادة الجماعية، وانتهاك حقوق الإنسان، والتطهير العرقي.

4. الفضاء الجغرافي، حيث تتم المجازر وعمليات التخريب، والنزاعات الدولية والداخلية

وهذا معناه إن الموضوعات المتنازع عليها وبسببها ومن اجلها يمكن تلخيصها على وجه الإجمال حسب كثير من الدراسات في الأتي :

1. الموارد أو الثروة، مثل: الأقاليم والمال ومصادر الطاقة والغذاء، وكيفية توزيع تلك الموارد.

2. السلطة إذ يتم التنازع بشأن كيفية تقسيم آليات الحكم والمشاركة السياسية في عملية صناعة القرار.

3. الهوية وتتعلق بالمجموعات الثقافية والاجتماعية والسياسية.

4. الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ومنها مدى شعور الناس بأنهم يعاملون باحترام وتقدير وأن حكومتهم تحافظ على تقاليدهم الاجتماعية.

5. القيم وخاصة تلك المتمثلة في أنظمة الحكومة والدين والأيديولوجية.



مخاطر النزاعات العنيفة بالشواهد والأمثلة الحية :



تعد النزاعات العنيفة بين الناس من الظواهر الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان ذكر كان أم أنثى، في كل زمان ومكان, وهي تعبير عن وجود أزمة بنيوية عميقة في صميم الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسة للمجتمعات المعينة تنعكس في جملة من المشكلات والآثار المباشرة وغير المباشرة، المادية والرمزية على حياة كل فرد من الأفراد والجماعات والمجتمعات والمدن , وقديماً قالوا : "الخير يخص والشر يعم "، أي مهما بلغت المقدرات المادية التي قد يمتلكها المرء في بيئة غير أمنة لا يمكن لها أن تحول دون وصول الشر إليه و الجدير بذكره هنا، أن ظاهرة نزوح السكان المدنين من ديارهم هو النتاج المباشرة للنزاعات العنيفة إذ تفضي النزاعات المسلحة إلي إجبار فئات واسعة من سكان مناطق النزاعات خاصة المدنين منهم إلي النزوح عن ديارهم وقراهم ومناطقهم ومجتمعاتهم وبيئاتهم القافية إلي مناطق أخرى طلباً لملاذٍ آمنٍ .


وقد شهد مجتمعنا حالات كثيرة ومتكررة من موجات النزوح هذه منذ أقدم العصور حتى اليوم وذلك بسبب النزاعات المسلحة الاجتماعية والسياسية والثقافية التي لا يهدأ لها بال.وقد تسبب النزع المسلح في محافظة صعدة بتشريد و نزوح أكثر من 250 ألف من السكان المدنيين اغلبهم من النساء والأطفال وبالمثل تسببت النزاعات المسلحة في: شبوةأبينلحج – الضالع_ قبل سنوات وحاليا يتكرر في حضرموت بنفس السيناريوهات والأدوات والفاعلين_ بتشريد ونزوح آلاف من السكان المدنيين لاسيما من النساء والأطفال والشيوخ , كما حدث في مديرية لودر والمعجلة ومودية والرواء وجعار في أبين حينما نشبت الحرب بين الأطراف المتنازعة مما أدى إلى نزوح آلاف السكان وكذا ما حدث في مدينة الحوطة ووادي ربض في شبوة والتي أفضت المواجهات فيها إلي إجبار أكثر من عشرين ألف على النزوح من ديارهم بحثاً عن مأوى أكثر أمن وأمان. وهذا ما يمكن رؤيته في مناطق الضالع وردفان وطور الباحة ويافع و التي عاشت منذ مدة في حالة اضطراب وتوتر ونزاعات عنيفة، وتم محاصرتها وضربها بقوة وبمختلف أنواع الأسلحة. وقد أفضت إلي نزوح أعداد واسعة من سكان إلي المناطق أخرى ,وها هي زنجبار اليوم تُجبَر ويُجبر جميع سكانها على النزوح والخروج من ديارهم تحت ضربات المدافع والصواريخ والقتل العنف من جميع الجهات (براً وجواً وبحراً) بين ما يسمى بجماعة القاعدة أو أنصار الشريعة أو الجماعات المسلحة وقوات الاحتلال المسلحة اليمنية حيث بلغ عدد النازحين من أبين إلى عدن ولحج والاتجاهات الأخرى أكثر من مائة ألف نازح حينذاك .

وقد وجدنا أن ظاهرة نزوح السكان من مجتمعاتهم المحلية من التهديدات والعنف والنزاعات المسلحة تستحق البحث والدراسة والتحليل والتفسير , لاسيما في المحافظات المحيطة بعدن: أبين – و شبوة و لحج – الضالع , هي محافظات شهدت ولازالت تشهد بين الفينة و الأخرى نزاعات مسلحة تسبب تشريد ونزوح آلاف السكان المدنيين ولاسيما من النساء والأطفال و العجز وما كان لذلك النزوح من أثار مباشرة وغير مباشرة على حياتهم النفسية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأخلاقية .غير انه من الخطأ الفادح النظر إلى التدهور الأمني الذي نعيشه اليوم في عدن واليمن عامة وجهة نظر أمنية أو أخلاقية بل هو نتيجة وليس سبب لجملة من الشروط والعوامل و الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و الأخلاقية والأمنية , والمثل بقول "قارب الخوف تأمن" بمعنى انه يجب علينا الآن وهنا التصدي المباشر والبحث الشامل عن أسباب ومنابع كل هذه الشرور و الإرهاب والعنف والتطرف والانفلات وكل ما يهدد حياة مجتمعاتنا المحلية من إخطار كارثية بفعل وتدبير من قوى الغزو والتكفير والاحتلال , علينا تفعيل دور المجتمعات المحلية في المدن والأرياف وقواها الفاعلة في سبيل الحفاظ على الحد الممكن من الأمن والسلم والتضامن الأهلي كي تستمر الحياة والمقاومة , أنها تحديات وجودية حدية تلك التي تواجه جميع سكان الجنوب المحتل من أقصاه إلى أقصاه في ظل تكالب قوى الغزو والتكفير التقليدية الشمالية المهيمنة التي أخذت تكشر عن أنياب حقدها الأخير تجاه شعب الجنوب الثائر ضدها وفي سبيل نيل حريته واستقلاله وسيادته الوطنية الكاملة , والسلام

مادة خاصة بعدن الغد يمنع نشرها باي وسيلة اعلامية اخرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.