تصعب الكتابة في بلد يضج بالفوضى، تجد نفسك مأسوراً بالماضي لمناقشة إشكاليات الحاضر شديدة التعقيد، حيث لا يتراءى المستقبل أمامك، ولا ومض منه حتى. في مرحلة الحكم الفردي كانت الكتابة ذات هدف، تعرف غريمك وترشقه بقلمك، أما في المرحلة الانتقالية فتعددت وجوه الخصوم، وكثرت إشكالياتهم، وخرج تصنيف الكتاب من حيز التصنيف التقليدي (موالٍ أو معارض) إلى الاتهام والتخوين. كل الأطراف السياسية شريكة ومتحالفة مع بعضها، وحين تنتقد طرفاً يدرجك المُنتَقد مباشرة في صف الطرف الآخر – الطرف الآخر الذي يمثّل شريكه السياسي-!! يأتي ذلك من باب الاتهام والتخوين وليس التصنيف السياسي، وهو تقييم يشمل الكاتب كفاعل ولا يشمل الكتابة كفعل، وهو حكم لا يقبل الاستئناف والمراجعة والنقض. لقد أضحت الشراكة السياسية بين فرقاء لم ينسوا خصوماتهم حالة من تصفية الحسابات، وليست كما حاولوا إظهارها على أنها لحظة تسامح مباغتة اجتاحتهم قرروا من خلالها طي صفحات الماضي والبدء من جديد، الكل متوجّس من الكل، والكل يعمل ضد الكل، ومن الصعب أن نعوّل على شركاء اجتمعوا بنية أن يعمل كلٌّ بمفرده، ليس هذا وحسب، بل ويعمل كل ضد الآخر تحت لافتة كبيرة أسموها الشراكة السياسية. إنها تشبه الوحدة الوطنية التي تحققت قبل ربع قرن، وأوصلتنا اليوم إلى حالة فرقة ميؤوس من التئامها. بعد الانتخابات النيابية عام 1993م نادى بعض العقلاء في الحزب الاشتراكي اليمني بضرورة خروج الحزب من الشراكة في السلطة ليتحول إلى المعارضة، وكانت هذه المطالبة تتجاوز التفكير الانتهازي الذي لا يستطيع العمل سوى من خلال امتلاك أدوات القوة، القوة التي تتمثّل في المفهوم الانتهازي بالسلطة والردع، وغابت عنهم فرصة ملء الفراغ في الجهة المقابلة ليستطيعوا أن يشكّلوا ثقلاً مقابل ثقل المتسلطين، كان كرسي المعارضة شاغراً فيما كلهم يتزاحمون على كرسي السلطة، فنشبت الحرب بعد أقل من عام. ثلاثة لاعبون سياسيون ضاق بهم الصراع على السلطة، فذهبوا للحرب، واليوم كثرت الأطراف واشتد الصراع على نفس المنطقة السياسية الخطرة التي ربما يكون الصراع فيها تحت لافتة الشراكة أشد فداحة عما كان قبلاً، فيما تظل المعارضة كرسياً شاغراً إلى حين يأتي طرف سياسي، وطني عاقل وحريص، يملأها بذكاء وحنكة. twitter@ezzatmustafa