«الخوف والبغض, هما الفكران اللذان تتولد منهما, المحطة الدنيئة.» الامريكي وليم ووكر اتكنسون. *** أي بلد نامي, لدى الغالبية منه نية جادة في الاتجاه نحو الديمقراطية, لا بد أن يمر بثلاث مراحل متتابعة لبناء الدولة الوطنية الحديثة, (الانتقال الى الديمقراطية - الانتقال الديمقراطي –الاستقرار الديمقراطي), ولقد أتاحت ثورة فبراير التي اندلعت في 20011م, فرصة التطبيق العملي لذلك الانتقال, ولقد مرت المرحلة الأولى, والتي - رغم كل أخطائها وعثراتها - كانت مهمة, حيث تم فيها التأسيس النظري للمستقبل, لكن؛ ما إن ولج اليمن المرحلة الثانية (الانتقال الديمقراطي)- وهي بوابة مهمة نحو الاستقرار الديمقراطي - حتى انتفضت القوى والشخوص المتضررة من هذا الانتقال, حيث نجاح هذه المرحلة, يعني تضرر وجودها بشكل عملي, ولذلك تم مواجهة مستقبل اليمن الديمقراطي, بفتح جبهات في حاضره, تمنع سيره نحو الدولة اليمنية المنشودة. حاليا يخوض اليمنيون, معركة وجود مع تلك القوى والشخوص, والتي تختبئ بعضها تحت ثياب الحصانة, وثانية تحت يافطة مواجهة التكفيريين, وثالثة تحت عنوان انقاذ الثورة, ورابعة تحت شعار حماية “تطبيق الشريعة”, وخامسة وسادسة ووو, وقد يكون بين تلك القوى تعارض في الرؤى وتضارب في المصالح, ولكن ما يجمع بينها هو هدف واحد؛ عرقلة عملية الانتقال الديمقراطي, وتكمن الخطورة في هذه القوى ليس في كونها مجرد قوى نفعية فقط, بل فكرية ولها عقائد ايدلوجية, تريد فرضها على حساب القيم الوطنية والمبادئ الحديثة. تقوم بعض تلك القوى بمحاولة التدمير الممنهج للثقافة الوطنية في مقابل تنمية التعصب التديني للفكر الدموي المتشدد, ويستوي هنا فكر القاعدة وفكر الحوثي, حيث يبيح الفكران قتل جنود الجيش اليمني, الذي يثابر في كل جبهات الوطن لحمايته من التفكك الجغرافي والتشرذم السياسي, وتقوم قوى أخرى بتخريب البنية التحتية للمؤسسات الخدمية, بينما تتجه بعضها لنبش النعرات المناطقية ودعم فكرة الانفصال على حساب الفيدرالية, وتتكفل شخصيات سياسية وثقافية فاسدة الضمير والفكر, داخل جسد الدولة وخارجها, بدعم مباشر وغير مباشر لتلك القوى, اما من خلال الدعم اللوجستي, او من خلال الدفاع الاعلامي والتبرير الفكري. ما أريد أن أقوله؛ أن الصراع الدائر الآن في اليمن, هو صراع بين فكرتين رئيستين, الفكرة الوطنية والفكرة اللاوطنية. تتسم الفكرة الوطنية بالحب والعطاء والتسامح, وتتصف اللاوطنية بالخوف والبغض, الخوف هو المحرك الرئيسي (العقدي) لكل القوى اللاوطنية, والبغض هو المنهج (الفكر) الذي تدير بها تلك القوى حياتها وعلاقاتها مع الآخرين, بينما الحب هو المحرك للقوى الوطنية, والعطاء والتسامح هو الفكر الذي يدير حياتها وعلاقاتها, ولذا تجد كلاً من (أنصار الله وأنصار الشريعة , كمثال), يخافون من المواطنة ويبغضون سيادة القانون, ويخافون من الدولة ويبغضون مؤسساتها الضامنة لوجودها مثل الجيش, وتكمن خطورة الفكر اللاوطني – لا في مضمونه – بل في تسلحه, فمضمونه هش وعقله ضحل, لذا يتجه لفرض هشاشته بالصراخ وضحالته بالعنف, يسلح وجوده بالقوة لأنه يحمل بذور فنائه من الداخل, أما الفكرة الوطنية فهي فكرة كهربائية, تتتابع بشكل انشطاري في كل المحيط, تنجذب اليها كل النفوس, تطمئن لها كل القلوب, ولذا تبقى في الذاكرة, عصية على النسيان, ولذا تستدعي معها كل الفكر المماثلة لها, تدمجها وتحميها, مثل الديمقراطية والمواطنة والمدنية ومقاصد الشريعة والاعراف الحميدة وووو. ولذا لا خوف من الفكر اللاوطني (يستوي هنا فكر القاعدة والحوثي والحراك المسلح والرعوي والشيخ , والمثقف المدافع عن هذا الفكر والسياسي المبرر له), الخوف يكمن في غياب الحب الوطني, وغربة التسامح بين اليمنيين, وتجمد العطاء لأجل اليمن, علينا أن نتسلح بالحب والعطاء الوطنيين ضد الخوف والبغض الذي يدير كل جماعات العنف المسلحة, فالحب والعطاء والخوف والبغض؛ أفكار؛ “والافكار أشياء” كما يقول ملفورد. تتأثر وتؤثر, تعمِر وتدمِر, وكل “فكر ينتج اهتزازات أشبه بالدوائر التي تتسع على سطح الماء الحادثة من سقوط حجر في اليّم”, يقول وليم ووركر. والفارق بين الفكر المعمِر والفكر المدمِر, هو نوعية السقوط, كيف نرمي ذلك الحجر في اليّم, بشكل عمودي ام باتجاه افقي, كلا الرميتين تسقط في الماء, لكن الدوائر في الأولى تدور بشكل عنيف في محيطها القريب ضد الوطن, لكنها سرعان ما تنفجر في داخلها, بينما الدوائر في الثانية تتسع وتتسع بسعة الوطن وصبر المواطن وحكمة المواطنة. a777588063@gmailcom