ما يحدث الآن في اليمن، وربما دائماً، أننا نقف ضد النتائج ومع الأسباب، ضد الأعراض ومع الأمراض، ضد القاتل ومع المحرض، ضد القاعدة ومع الإرهاب، دون أن نأبه بأن الإرهاب فكر، وأن الفكرة الإرهابية الهدامة أخطر من كل السموم التي ابتكرتها الطبيعة، ومن كل الأسلحة التي اخترعها البشر.! هناك معركة ضد القاعدة، لكن الحرب على الإرهاب لم تبدأ بعد، وقد لا تبدأ في ظل هذه الانفصامية التي تجعلنا في حالة تطبيع وتصالح مع الإرهاب، بفكره ومدارسه وجوامعه وجامعاته.. مما ألمح إليه «البردوني» قبل عقود طويلة، بقوله: وأبي يعلمنا الضلال ... ويسأل الله الهداية!!.. لم تعد علاقة المؤسسات الدينية ومؤسسات التعليم الديني المتطرف، بالإرهاب، محلاً للجدل والتساؤل، كل الإرهابيين تم استقطابهم من هذه المؤسسات الدينية، حركة طالبان التي دمرت أفغانستان وتدمر باكستان، هي في الأصل حركة طلابية، كطلاب العلم في دار الحديث في دماج، والتي ليست، أو لم تكن، سوى قنبلة يدوية صغيرة مقارنة ب «جامعة الإيمان»، في مذبح. الشواهد والقرائن على علاقة هذه الجامعة - التي ذكرناها هنا للتمثيل لا الحصر- بالإرهاب والقاعدة أكثر من كافية: «أبو الحسن المحضار» زعيم جيش عدنأبين، كان حارساً شخصياً للزنداني، ودرس بجامعة الإيمان. الإرهابي «علي جار الله» قاتل الشهيد جار الله عمر، درس في جامعة الإيمان، وإلى ذلك: «الناشري» قاتل الراهبات في الحديدة، «عابد كامل» قاتل الراهبات في جبلة، «هشام اللحجي» أمير تنظيم القاعدة في لحج، «الجزائري» الضالع في إرهاب الضالع في التسعينيات، وحتى العراقي «أبو ليث» الذي كان يزوّر الجوازات والوثائق للإرهابيين.. كل هؤلاء الإرهابيين وغيرهم الكثير، كانوا طلاباً في «جامعة الإيمان».. كلهم مرّوا من هناك، وتخرجوا من تحت عباءة «الزنداني» كائنات مسعورة وعبوات ناسفة.. وما لم يتدارك الرئيس هادي، خطيئة الرئيس السابق هذه، ويعمل على تفكيك القنبلة العملاقة، فمن المؤكد أنها هي التي ستفكك اليمن. لقد لُدغت اليمن من ذلك الجحر عشرات المرات.! كما لدغت من غيره، ولا أقل أن تبدأ الحرب على الإرهاب بتأميم هذه الجامعة، ومرادفاتها، وتحويلها إلى مراكز إشعاع علمي، معنية بالتنوير والتطوير لا التخريب والهدم، بجانب الإشراف المكثف والمباشر على أنشطة الجوامع ومدارس تحفيظ القرآن .. كبداية ضرورية موضوعية للحرب الوقائية الدائمة على الإرهاب. تتحدث الأوساط الأكاديمية عادة عن مشكلة الكتاب المدرسي الذي تطبعه وتشرف الدولة على تدريسه، كونه يتضمن جزءاً من المشكلة، بعدم ارتكازه على استراتيجية وطنية استشرافية جادة ومسئولة، فكيف بمدارس تحفيظ القرآن، ومراكز التعليم الديني، والجامعات الخارجة عن سيطرة الدولة، ورقابتها وخططها وبرامجها التنموية?!.. يحدث أن يهدم خطيب جامع ما تبنيه عشر مدارس، ويفعل خطاب ديني ما لا تفعله أسلحة الدمار الشامل، فكل مركز أو نشاط ديني أو تعليمي خارج سيطرة الدولة ورقابتها، وتحت سيطرة تيار ديني متطرف شيعي أو وهابي أو إخواني.. هو قنبلة موقوتة، ومشروع أفغنة وصوملة.. يهدد الحلم المشروع بدولة قوية ومجتمع مدني سلمي، واستقرار سياسي مستقبلي ممكن، ما لم تقم الدولة بواجبها في نزع فتيل هذه القنابل الموقوتة، التي تفجّر بعضها بشكل كارثي، فيما البعض الآخر موعود بالانفجار.