لا يوجد في اليمن رجل دين مثير للجدل كما هو الحال بالنسبة للشيخ عبد المجيد الزنداني , عالم الإعجاز القرآني المعروف لدى الكثير من الأوساط في العالم الإسلامي , وترجع أسباب الجدل بشأنه إلى أنه يمارس السياسة إلى جانب كونه رجل دين له مكانة مرموقة , وقد وصل , بنشاطه السياسي إلى منصب عضو مجلس الرئاسة عقب أول انتخابات ديمقراطية حرة ( نيابية ) في اليمن , في أبريل عام 1993 , ممثلا لحزبه التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي . ولد عبد المجيد عزيز الزنداني عام 1942, في محافظة إب وسط اليمن , وتلقى تعليمه الأول في " الكتاب " , أي مدارس تحفيظ القرآن الكريم وتعليم العلوم الإسلامية , ثم انتقل مع والده إلى مدينة عدن التي عاش فيها عدة سنوات ودرس في مدارسها إبان الاستعمار البريطاني قبل قيام الثورة اليمنية , في الشمال والجنوب , مطلع عقد الستينات من القرن الماضي , ومن عدن انتقل إلى مصر حيث درس في كلية الصيدلة ( جامعة القاهرة ) , وحسب من يعرفون الزنداني بشكل جيد , فقد كان من المقربين جدا لمحمد محمود الزبيري , الشاعر الشهيد المعروف ب" أبي الأحرار اليمنيين " , وبعض الروايات تتحدث عن أن الزبيري اغتيل والزنداني إلى جانبه . ويحكي ل " التغيير " السياسي المخضرم ، يحي الشامي ، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني جانبا من معرفته الشخصية بالشيخ عبد المجيد الزنداني ، الذي قال انه تعرف عليه منتصف عقد الخمسينات من القرن الماضي عندما كانا يدرسان معا في القاهرة ، ويقول انه لم يكن يعرفه تماما لان الزنداني كان في كلية مختلفة وفي سكن مختلف " دار الوافدين " ، لكنه يؤكد انه تعرف عليه عن قرب عندما قرر 9 طلاب يمنيين في مصر العودة إلى اليمن لمناصرة ثورة " 26 سبتمبر ( أيلول ) عام 1962 " ضد نظام الأمام احمد بن حميد الدين المتوكل على الله ، وكان الشامي والزنداني ضمن أولئك الطلاب ، ويقول الشامي إنه و " في هذا الوقت بالذات تلمست ميوله الفكرية بشكل أولي متواضع " ، ويقصد الميول نحو ( الإخوان المسلمون ) ولكن الشامي لا يستطيع أن يجزم ، من الناحية التنظيمية ، إن كان الزنداني جرى استقطابه للإخوان خلال سنوات دراسته في مصر " لذلك حرصت على القول ميوله الفكرية لأني لم أكن احتك به كثيرا في مصر " . وأسس الزنداني أشهر الجامعات اليمنية الإسلامية في اليمن عقب حرب صيف 1994 , بين قوات الشمال وقوات الجنوب اللذان توحدا في 22 مايو ( أيار ) عام 1990 , ولعب الزنداني , حينها , دورا مهما في الحشد لقتال الجنوبيين ولصالح الرئيس السابق علي عبد الله صالح , وتسمى جامعته " جامعة الإيمان " ,وهي مثيرة للجدل , لصاحبها بالضبط , بسبب مناهجها التي ينظر إليها البعض على إنها متشددة ومتطرفة , خاصة بعد اتهامات وجهت لبعض طلابها بالقيام بأعمال إرهابية , السنوات الماضية , وقد أثارت الجامعة لغطا كبيرا , في الآونة الأخيرة , بعد قرارها فتح فرع لها في مدينة عدن , حاضرة جنوب البلاد , حيث ينظر الكثير من الجنوبيين إلى الزنداني كمحرض للحرب ضدهم عبر استخدام مكانته الدينية والفتاوى لتأليب الرأي العام ومعسكرات الجيش ضدهم . وارتبط الزنداني بعلاقة قوية بالرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح منذ مجيء الأخير إلى الحكم أواخر العام 1978 , والى قبل سقوط نظامه في الاحتجاجات التي اندلعت مطلع العام 2011 , للإطاحة بنظامه , وكان صالح يلجأ إلى الزنداني لمواجهة خصومه السياسيين والاستفادة من الخطاب الديني للزنداني وحشد الرأي العام , إلا انه ومع أزمة الاحتجاجات عندما ترأس الزنداني لجنة العلماء للوساطة بين الأطراف المتنازعة , خرج على صالح وانضم إلى المطالبين بإسقاطه في " ساحة التغيير " جوار جامعة صنعاء في يوم مشهود غير الكثير من المعادلات السياسية في الساحة اليمنية . وهناك أمران مهمان في حياة الرجل ، اتهامه بالإرهاب والجدل بشأن ممارسته للسياسة ، ففي الموضوع الأول ، فهو متهم من قبل الولاياتالمتحدة بدعم وتمويل الإرهاب وتتعدد الآراء بشأن هذا الاتهام ، غير انه مدرج من قبل وزارة الخزانة الأميركية منذ عام 2004 ، في قائمة ممولي الإرهاب ، ويقول الصحافي اليمني – الأميركي منير الماوري المقيم في الولاياتالمتحدة أن الزنداني ليس مطلوبا لواشنطن كما يعتقد البعض خطأ " أو مدرج في قائمة المطلوبين وهذا تصور خاطئ لا يقع فيه المتابعون الأميركيون فقط ، بل أيضا كثير من العرب وبالذات في اليمن " ، ويضيف ل " التغيير " أن " الحقيقة غير ذلك ، إذ أن الرجل رغم أنه مدرج منذ عام 2004 في قائمة الأممالمتحدة للداعمين ل ( القاعدة ) وقبل ذلك في قائمة وزارة الخزانة الأميركية للمطلوب تجميد أموالهم وتقييد حركتهم ، لكنه لم يدرج أبدا في أي قائمة للمطلوب تسليمهم ولا أي قائمة للتصفية الجسدية، ولذلك من الصعب على أي مسؤول أميركي أن يتخذ قرارا بتصفية شخصية يمنية في حجم الشيخ الزنداني، كما أن تجربة استدراج واعتقال الشيخ المؤيد علمت الأميركيين أن الشيوخ الذين يحظون بشعبية كبيرة في بلدانهم يتحولون إلى عبء سياسي كبير على صانع القرار في حال الاعتقال، ولذلك فإن المسؤولين الأميركيين يضغطون بقوة لتقييد حركة الزنداني ومنعه من السفر وليس لتسليمه إليهم وأعتقد أن واشنطن لا تتحمل تسليم الزنداني إليها ولن تسعى لمثل هذا العبء الثقيل ". وحول الصورة الذهنية في الولاياتالمتحدة بشأن الشيخ الزنداني ، يضيف الماوري أنها " تختلف كثيرا عن الصورة القانونية في سجلاتهم الرسمية، إذ أنه واحد من بين أشهر خمسة يمنيين أو من أصول يمنية يعرفهم المواطن الأميركي متوسط الثقافة وهم أنو العولقي، ورمزي بن الشيبة، وأسامة بن لادن، وعبد المجيد الزنداني، وفهد القصع وثلاثة من هؤلاء قتلتهم طائرات أميركية أو جنود أميركيون ( بن لادن ، العولقي، القصع)، والرابع اعتقل بأسلوب سري للغاية ( بن الشيبة)، أما الخامس ( الزنداني) فهناك صعوبات قانونية وسياسية وعملية تقف حائلا أمام أي خطة لاستهدافه قتلا أو اعتقالا " ، وفيما يتعلق بمستقبل الزنداني ، قانونيا ، في ظل الاتهامات الأميركية وفي ظل ما يشبه الإقامة الجبرية للزنداني في اليمن جراء هذه الاتهامات ، يقول المحامي اليمني المعروف ، محمد ناجي علاو ، الذي تابع قضية اعتقال الشيخ المؤيد في الولاياتالمتحدة إن الاتهامات الأميركية للزنداني قامت على أساس معلومات استخباراتية وليست معلومات قضائية وان لائحة مجلس الأمن لمكافحة الإرهاب في هذا الجانب لا تتيح لأي شخص متهم الحق في تفيد الادعاءات بحقه ، ويقول علاو ل " التغيير " الجميع " يعرف أن المعلومات الاستخباراتية لا تقوم على الدقة وإنما على التحليل " ، ويتهم المحامي علاو الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحكومته ، حينها ، بأنهم " كانت لديهم رغبة في إدراج اسم الشيخ الزنداني ضمن تلك اللائحة ، بدليل عدم الاعتراض على إدراج اسمه ومعلوماتي الشخصية ان الحكومة الفرنسية عرضت على نظيرتها اليمنية ان ليس لديها مشكلة في الاعتراض على التصويت بشأن إدراج الزنداني في القائمة إذا رغبت الحكومة اليمنية في ذلك ، لكن الأخيرة لم ترد عليها ، وذلك قبل التصويت ب 5 أيام فقط " ، وأيضا ، والحديث لعلاو " بمعنى أن " الحكومة اليمنية كانت شريكا في إدراج اسم الزنداني إن لم تكن شريكا في تقديم معلومات لإدراجه " . ويؤكد المحامي اليمني علاو ، وهو رئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة ( المكتب السياسي ) لحزب الإصلاح الذي ينتمي إليه الزنداني نفسه ، انه " لا يمكن إبعاد اسم الزنداني من قائمة أو لائحة الإرهاب إلا بموافقة الدولة التي أدرجته وهي الولاياتالمتحدة الأميركية " . ومع قرب انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي نصت عليه المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن والمقرر في مارس ( آذار ) المقبل ، مارست الولاياتالمتحدة ، عبر سفارتها بصنعاء ، ضغوطا على الحكومة اليمنية كي لا يدرج اسم الزنداني في قائمة المشاركين ، حسبما تتحدث التقارير المحلية ، وهو ما أثار الزنداني الذي احتج على هذا الدور بطريقته المعهودة ، حديث هادئ وابتسامة واسعة ، عبر مؤتمرات صحافية لهيئة علماء اليمن التي أسسها مؤخرا ، ويقول المحامي علاو انه لا يعرف ما هي المواقف الجديدة للزنداني التي أغضبت الأميركيين " لدرجة طلب عدم إشراكه في مؤتمر الحوار الوطني ، رغم انه مع الحوار والاستقرار ومع الوحدة ومع دولة التغيير وظاهر أعماله يتوافق وإرادة الاستقرار التي يتجه إليها المجمع الدولي في اليمن ". وابرز ما يطرح في الساحة اليمنية بشأن هذا الرجل ، ممارسته للسياسة في وقت هو رجل أو عالم دين بارز ، وخلطه بين المسألتين وتوظيف الدين في السياسية ، كما يقول البعض ، وتتعدد الآراء والمواقف إزاء ذلك بين من يرى أن من حق الزنداني أن يمارس السياسية وبين من لا يلومه على ذلك وبين من لا يرى فيه أصلا رجل سياسة أو عالم دين بالمعنى الصحيح ، وهنا يرى عبد الباري طاهر ، نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق والكاتب والباحث اليمني المرموق ، ان المستقبل ( الماضي ) السياسي للشيخ الزنداني كان " في ظل رعاية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ، زعيم قبيلة حاشد ، رئيس البرلمان وحزب الإصلاح والرجل النافذ في البلاد " وان الزنداني " ارتبط بالأحمر وبقوى إقليمية وبالصراع الذي دار بين الإسلاميين وما بين الاتجاهات القومية واليسارية في شمال اليمن " خلال عقدي السبعينات والثمانينات " ، ويقول طاهر ل" التغيير " أن الزنداني أصبح – اوربجندا – أكثر منه داعية إسلامي حقيقي او حتى رجل سياسة حقيقي ، وأصبح محاصرا بمواقف داعمة للإرهاب ولأسامة بن لادن والاتجاهات المتطرفة وبات ينظر إليه بحذر شديد سواء من النظام اليمني أو المحيط الإقليمي والعربي أو الموقف الدولي ، وبالأخص الولاياتالمتحدة الأميركية ، فهو لم يعد ذلك الرجل الذي يمثل أي خطورة ووزنه السياسي حتى بالنسبة لحزبه ( الإصلاح ) أصبح على هامش الإصلاح ، لان الحزب أصبح جنوحه للنظام الدولي الجديد وارتباطه بالولاياتالمتحدة ويحاول أن يكون جزءا من الحركات الإسلامية التي نسجت علاقات مع أميركا وأوروبا والزنداني أصبح مقفيا عن الجميع ولم يعد قادرا على لعب أي دور في الحياة السياسية والعملية " ، مشيرا إلى أن " رياح المستقبل لم تعد في صالح الزنداني سواء في الحركة الإسلامية أو الحياة السياسية بصورة عامة ". ويعتبر عبد السلام محمد ، رئيس مركز أبعاد للدراسات أن الزنداني " شخصية سياسية ودينية كبيرة لها حظوة وقاعدة شعبية في أوساط اليمنيين ، لكن هذا لا يعني أن الشيخ عبد المجيد سيصر على البقاء في مواقع تصدر القرار السياسي أو الحزبي ، فهو يبدوا انه ترك فرصة للشباب للتوجه نحو الريادة ، إن لم يكن في مكان القرار .. ففي مكان صنع القرار " ، ويعتقد بعض المراقبين ان الزنداني يمارس نشاطه أو سلطاته السياسية عبر هيئة علماء اليمن بعد أن تمت إزاحته من رئاسة مجلس شورى ( اللجنة المركزية ) حزب التجمع اليمني للإصلاح ، لكن عبد السلام يؤكد ل " التغيير " أن " لكل شخص الحق في ممارسة حقوقه السياسية والدينية في إطار الدستور والقانون وهذا لا يستطيع احد حجبه عن عبد المجيد الزنداني أو عبد الملك الحوثي أو غيرهما لأنهم يمنيون والزنداني هو من يحدد مستقبله السياسي وليس الآخرون بغض النظر عما يطرح بشأنه والى جانب الجدل الذي يثيره الزنداني في مجال السياسة ، أثار الرجل جدلا آخر ، ولكنه طبي ، حيث زعم انه توصل إلى علاج لفيروس نقص المناعة " ايدز " ، وأكد الزنداني ، أكثر من مرة ، انه نجح في علاج بعض الحالات ، إلا انه ، حتى اليوم ، يتحفظ على الكشف عن طبيعة العلاج الذي توصل إليه ولم يتم الاعتراف به رسميا من قبل الجهات المختصة. ومن الأشياء التي تثير انتباه البعض ، سلبا ، تجاه الزنداني ، وذلك في العدد الكبير من المرافقين ( الحراسة ) الذين يحيطون به والموكب الكبير الذي يرافقه في حله وترحاله ، لكن الشيء الملفت بشكل اكبر ، أن الشيخ الزنداني لا يقبل إجراء المقابلات الصحافية إلا فيما ندر وعندما يوافق على ذلك يقوم مساعدوه بتسجيل حواراته مع الصحافيين بالصوت والصورة ويوثقها في مكتبة خاصة به في منزله وهو يرجع ذلك إلى ما ينقل على لسانه بدون دليل ، وان كنت صحافيا فعليك أن تعرف انه سوف يتم تفتيشك تفتيشا دقيقا عندما يكتب لك مقابلة الزنداني وعليك التعامل بلطف مع مرافقيه والانتباه كي تتلف أجهزتك .