يفتتح المشهد على خنساء هذا العصر وهي قادمة على حي من أحياء العرب و تصرخ بأعلى صوتها «و اذلّاه يا بني بكر و اذلّاه يا تغلب و اذلّاه يا جرهم...» تحتشد نساء الحي حولها مندهشات، قالت إحداهن بلسان الجميع: هوّني عليك يا بنت العم ..ماذا جرى؟ ما خطبك؟ فأشارت بيدها نحو وجهة الجنوب وقالت والوجوم يعلو وجهها “هناك ابنة عم لنا يجرّعها أهلها الذل والهوان. فتساءلت إحدى الحاضرات قائلةً: من تقصدين؟ فأجابت خنسا هذا العصر “أقصد حفيدة الملوك وسليلة الحسب والنسب ابنة ذي الكلاع الحميري”. فتساءلت إحدى الحاضرات بدهشة بادئة على كلامها قائلةً: كيف تُذل أو تُهان وهي ابنة الملوك وأكرمنا حسباً وأعزنا نسباً؟ أجابت الخنساء ونهدتها تسبق كلامها “إن مشكلة ابنة عمنا ابنة ذي الكلاع الحميري أن أمرها آل إلى من كانوا خدماً وحشماً عند آبائها وأجدادها، لذلك هم يتعمدون إذلالها والانتقام منها يتعمدون إهانتها انتقاماً من ماضيها وتنكيلاً بتاريخ آبائها وأجدادها الأوائل”. يُزاح الستار في ناحية أخرى من المشهد على صاحبة المأساة فإذا بها فتاة تبدو على وجهها آثار النعمة ترتدي ملابس رثة ونصف سيقانها عارية إذا حاولت تغطي وجهها انكشفت سيقانها، يبدو عليها الوجوم والشحوب، وحولها يطوف أشخاص من مختلف الجنسيات يرمقونها بعيون خبيثة متفحصة وكأنها معروضة للبيع في مزاد علني. وعلى هامش أوضاعها يستيقظ أهلها وأقاربها كل صباح ويفتتحون يومهم كالعادة يلمعون شواربهم ويمسحون فوهات بنادقهم وكأنهم يتجهزون لخوض معركة ثم يلتفتون إليها وهي على حالها المهين ،فيقولون بلسان واحد “واحنا ما علينا من تزوّج أمنا كان عمنا” فيصرخ داعي الرشاد فيهم قائلاً: لا ياقوم لا وألف لا ليس كل من تزوّج أمنا صار عمنا وليست الذكورة فقط شرطاً للزواج أمّنا أجلّ وأسمى مما تتصوّرون وأكبر مما تظنون، قدرها رفيع ومقامها عالٍ لكننا خذلناها.. ما كاد الرجل ينبس بكلمته الأخيرة حتى وافته طلقة نارية اخترقت صدره باتجاه القلب فسقط مغشياً عليه بالموت، ومصدر الطلقة مجهول. لم يأبه أحد من الحضور لمصير الرجل وكأن مصيره كان معتاداً ومضى كل منهم إلى عمله يتخافتون بينهم بما لا يُجدي ذكره. في جانب آخر من المشهد يُزاح الستار على قصر الزعيم ومحل إقامته، حيث كان فخامته يُجري مقابلة صحفية متلفزة مع أشهر فضائية أمريكية، كان يدّعي كل البطولات والتضحيات الجسام ويزعم أنه صانع الأمجاد لصاحبة المأساة وأهلها. اختتمت الصحفية الأمريكية مقابلتها بإظهار بشاشة غير معهودة على وجهها وأبدت حسن ثنائها على الزعيم وفريق عمله واختتمت كلامها بقولها إنها مندهشة من قدراتهم الخارقة وتضحياتهم الجسيمة، فأمر الزعيم بصرف مبلغ عشرين ألف دولار للصحفية التي تغادر أروقة القصر وهي في منتهى السرور. لكن زميلها المصوّر انتابته نوبة عطاس مفاجئة فأبدى الرجل مخاوفه، لكن زميلته الصحفية طمأنته على صحته وأخبرته أنه من الطبيعي أن يُصاب بالزكام في هذا المكان فسألها متعجّباً: لماذا؟ فأجابته على الفور هل سمعت أن هناك غباءً يزكّم الأنوف؟ فأجابها نعم فأخبرته أن غباء الزعيم من هذا النوع. وفي جانب آخر من المشهد يتم تسليط الضوء على لفيف من مراكز القوى الشركاء في إذلال ابنة ذي الكلاع والذين ساموها سوء العذاب، كانت الصدفة قد جمعتهم على قارعة طريق رغم اختلافهم إلا أنهم مجتمعون، بينما هم هناك تمر بهم امرأة في منتصف العمر من بني عبد شمس ثم تقف في وسطهم وتلقي التحية فيردّون عليها ثم تقول لهم “والله وانعم بكم يا الرجال صنعتم مجداً لهذه البائسة لن يصنعه أحد من بعدكم” ما إن تنتهي من كلامها حتى ينفجر أغلبهم بالضحك فاغري أفواههم، مقهقهين كالقرود ثم يقوم أكبرهم مرتبة والآخرون يرمقونه بأعينهم يسير وهو يكاد ينفجر من الضحك حتى ينتهي به المسير فوق قبر التبع حسان اليماني فإذا به يميط إزاره ثم يجلس ليتغوط على القبر بأحقاده الدفينة وهو ثمل من الضحك، و يردّد أنشودة نحن من جدّد أمجاد سبأ. وفي نهاية المشهد يُزاح الستار على كل الولاة البغاة من مراكز القوى المنتمين إلى ثقافة مجتمعية واحدة وهم محتشدون في مربّع صغير في صفوف منتظمة يرتدون ملابسهم الشعبية شاهرين جنابيهم تلمع في السماء وهم يؤدون رقصة البرع ،والناس ينظرون اليهم من مختلف أصقاع الأرض وهم يرقصون ويردّدون أغنيتهم الأزلية الشهيرة والتي تقول في مطلعها: زلطْ زلط زلط أين الزلط نشتي زلط ما بش زلط وغير الزلط ما همنا زلط زلط زلط يا إخواننا يا أصحابنا يا كلكم هاتوا الزلط لا عندنا زلط زلط زلط. [email protected]