الفكر السياسي المعاصر لا يغادر الأصالة والاعتزاز بالانتماء إلى قدسية التراب الوطني ولا يقتصر على النُخب السياسية أو الأرستقراطية المتعددة والمتنوعة في الجمهورية اليمنية، بل إن الفكر السياسي المعاصر يسجّل تنوّعاً في التعاطي المتميز مع الأفكار السياسية بروح شفافة تعكس العمق الحضاري الإنساني الذي تميّز به اليمنيون منذ فجر التاريخ، ففي أرض المهجر تجد الفكر السياسي أكثر نضوجاً وأبلغ أثراً في فهم المشاركة السياسية المسئولة التي تعزّز الوحدة الوطنية وتجّسد التلاحم الوطني أحد عناصر القوة القومية للدولة اليمنية بأبعادها التاريخية التي تتجاوز الحدود الجغرافية. إن الفكر السياسي اليمني في المهجر أبلغ أثراً وأعلى نبلاً، لأنه في المهجر يتجاوز الحزبية والطائفية أو المذهبية والمناطقية والقروية ويرقى إلى مستوى الولاء الوطني الذي يتعزّز في عمق المفكّر ونبض روح الولاء الواحد الموحّد الوعاء الكبير الذي انصهرت فيه كل الولاءات وذابت فيه كل الانتماءات وتعايشت فيه كل التناقضات وتماهت معه كل الاختلافات وأصبح الوطن اليمني الواحد هاجس الفكر وعنوان الوفاء ورمز الفداء، وهذا ليس غريباً على أهل الإيمان والحكمة سمو فكرهم السياسي الذي جعل من اليمن محط أفكارهم وآرائهم وطموحاتهم وتجاوز ما عداه من عوامل التأثير باعتبارها عوامل ثانوية قابلة للذوبان في جسد الوطن الواحد والموحّد. إن الجلوس مع المهاجر اليمني لحظة من عمق الفكر الاستراتيجي الذي يعشق الطموح ولا يقبل الوهن ويتحدّى المعوقات ويصنع المعجزات التي تسابق الزمن وتُذيب الجبال في سبيل الإرادة الفولاذية شديدة الاعتصام بحبل الله المتين، نعم لحظة من قوة الإرادة وصدق العزيمة وهمة العظماء، وهذا بحد ذاته دليل قطعي الدلالة على حتمية الإرادة وقوتها الأزلية التي يتعاظم فعلها كلما استمدت قوتها من الإرادة الإلهية، الأمر الذي يعطي أملاً جديداً في حياة اليمنيين ويمنع التشاؤم ويفتح باب المستقبل الأكثر ألقاً الذي لا يقبل بمن يحني رأسه لغير خالقه، نعم المستقبل تعلو فيه هامات اليمنيين شامخين شموخ وحدة الأرض والدولة والإنسان الذي يصنع الأفضل بإذن الله.