يتعمق الشعور بالمواطنة السياسية من خلال الانتخابات سواء كانت عامة، رئاسية، محلية أو انتخابات الأطر الأخرى كتداول السلطة في إطار منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات وجمعيات ولجان وقبلها الأحزاب والتنظيمات السياسية. الانتخابات على المستوى السياسي العام إجراء سياسي به تحقق المساواة بين المواطنين تبعاً للنظام الانتخابي المعمول به ومدى اقتناع الناس به بحيث يتعزز الولاء والانتماء الوطني لدى المواطنين ومما يساعد على تعميق الولاء هو أن يطرح المرشحون برامج انتخابية وطنية لا برامج انقسامية أو فئوية. من خلال ترجمة قيم المواطنة وتجسيد ثقافة المواطنة كسلوك في مجرى الحياة اليومية يمكن تصويب الانحرافات الاجتماعية الناتجة عن شعور بالظلم أو الحرمان، ولاسيما في ظل دأب السياسيين. كأعضاء المجالس نواب، وشورى، المجالس المحلية على الارتقاء بسلوكهم اللفظي والعملي في مجرى حياتهم اليومية إلى مستوى تمثيل مجموع المواطنين بموازاة اهتمام المواطن بإثراء ثقافته الحقوقية والجد في تنمية ثقافته السياسية والتعبير عن ذلك من خلال الاهتمام بالقضايا العامة والمتغيرات في عالمنا المعاصر؛ لأن الانفتاح على العالم بات أمرا ضروريا لكل بلد ولمواطنيها والأهم أن يكون الانفتاح بوعي لتزايد فوائده دون أن ينسلخ المواطن من جذوره ويجنح لثقافة العولمة أو الرأسمالية الجديدة وما تصدره من قيم ومحفزات لهرمونات الانسلاخ عن الذات في ظل ضعف الدولة وبالتالي ضعف الولاء للوطن وفتور الانتماء. لا مواطنة بلا امتثال لحكم القانون فالقانون مرجعية وعندما تكون الدولة ضعيفة وتنسلخ عن هويتك الوطنية أو تقفز على قواعد الشريعة فإنك تتجاوز بذلك قواعد عامة للمواطنة تشكل أسسا لحقوق الإنسان أو هي شبيهة بها. الحديث عن المواطنة والإنسان المواطن يعني الحديث عن دواء لأدواء وعلل في المجتمعات، ولاسيما الداء الخطير الناشئ عن شعور قلة من الناس بالظلم ومنها المشاعر السلبية لمن يشكلون أقليات.. هذا الشعور قد يشكل مقدمة لمشاكل معقدة أو انفصالا وفي ظل دولة النظام والقانون، دولة المواطنة المتساوية تسود لغة القانون بمعنى أن الحقوق دائماً تقابلها واجبات وذلك مفروض على الجميع. التجربة الهندية في جمهورية الهند كبلد ديمقراطي ودولة مدنية توجد أقليات وطوائف تتكلم أكثر من مائة لغة وجماعات أصغر في المحصلة النهائية تتكلم أكثر من 360 لغة ودياناتها متعددة في ظل دولة المواطنة هذا الوعاء الهندي تحميه المواطنة وشعور المواطنين بالانتماء لبلدهم ونظامهم وولائهم له ..المواطنة الهندية أسسها غاندي ونهروا ولها تراكماتها. الولاء للوطن ثقافة الولاء والانتماء للوطن يتطلب عملاً شاقاً على الصعيد الفكري والاجتماعي ولعل الأفكار التي غيرت أوروبا وبدلت وجهها القديم الملطخ بدماء الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية تتابعت وأثرت من أفكار جون لوك ومكيافيلي وتوماس هوبز وجان جاك روسو أدت إلى تراكم وصل إلى طرح فكرة المواطنة المتساوية. التعليم البيئة الأساسية ويمثل التعليم ونظامه وفلسفته نبعاً للولاء والانتماء وخاصة الجامعات فالتعليم يمثل توجهاً واحدا ومناهج واضحة والبيئة التعليمية هي البيئة الأساسية التي يبدأ فيها الإنسان الاحتكام إلى القانون والأنظمة الداخلية المطبقة على الجميع دون مراعاة لأي اختلافات بين الناس. والجامعة في أي بلد تمثل الجيش الآخر بعد الجيش النظامي ودولة المواطنة مهمتها أولاً تبني وتطور جامعاتها وتوفر لها متطلبات القيام بوظائفها كاملة فالجامعات لكل أبناء الوطن وتسهم كالقوات المسلحة في ربط أبناء الريف والحضر وتتقدم عندما تحيطها إرادة وطنية جامعة. ولعل واجب الإعلام أن يبذل جهوداً واسعة للتقريب بين أبناء الوطن الواحد ومن خلاله يمكن البدء بتلبية حاجة المجتمع إلى ثورة ثقافة فالتغيير ثورة، لكنها ليست في كل الأحوال سلوكاً عنيفاً بل تعني التغيير الإيجابي وزيادة في منسوب المعرفة بين الناس بحيث يتجذر معنى الانتماء والولاء للوطن في النفوس والعقول وتسوى أرضية الدولة المدنية فالمواطنة تعني أن الإنسان يعيش في ظل دولة المواطنة وحكم القانون، وأن يشعر المجموع بأنهم يستحقون الكرامة والعلو ويستطيعون في ظل دولة المواطنة المتساوية صياغة مشروع حضاري ينهض بالوطن ويؤتي ثماره في محيط الأمة هذا المشروع لا يستطيع أن يكون من بناته ودعاته وأنصاره من هم غارمون في ولاءات أدنى من الولاء والانتماء للوطن والدولة والقانون ولا يستطيع أن يفكر فيه المنحرفون والفاسدون أياً كانت مظاهر فسادهم أو كانت ذات طبيعة معنوية. وإذا تجاوزنا عتبة باب الجامعة ولدينا الرؤى النقدية وحصيلة خبرة ذوي التخصص والكفاءة والخبرة فسنجد وجهة لسياسيين توجه نقداً لسياسة الجامعات وقصور وظيفة البحث العلمي وعدم إشراك الكلية في مسئولية إجراء البحوث والدراسات في مجالات تخصصهم والاكتفاء بالمحاضرات والكتب والملازم ما يجعل الطالب يهدر وقتاً في حرم الجامعة فيما لا يفيده، بل في بعض أشكال الفساد الاجتماعي والأخلاقي والذي لا يقل خطورة عن الفساد المالي والسياسي في مجتمعات عربية. قصور في الجامعات يرى عضو مجلس النواب الأردني مصطفى باغي أن قضاء جزء كبير من الوقت خارج قاعات الجامعة يخوض خلاله الشباب في أمور بعيدة عن الحياة العلمية إنما يعود إلى قصور في الجامعات وهو يدفع الطلبة إلى الانشغال بأمور ترفيهية و غير جادة تحت ظلال الأشجار ويمارس الطلبة في فراغهم الكبير أشياء وتصرفات ولكن بعقلية العوام وعندما يتغير المزاج العام يمارس الشباب الاحتجاجات وشيئا من العنف في التعبير عن الرأي وفي سياق هذا الرأي فإن هناك فسادا اجتماعيا يتمثل في سوء إدارة الوقت. الولاء الوطني إذا ضعف يولد فساداً غير الفساد المالي والإداري والجامعة ليست بريئة لأن الاستاذ الجامعي يكتفي بربط الطالب بالكتاب والمحاضرة؛ ولذلك يعبر الطالب عن رأيه بأساليب عنيفة كقذف الحجارة، لاسيما عندما تفوح رائحة الفساد وتستغلها الأحزاب السياسية لأهداف خاصة في مناخ سوء الحالة المعيشية.