التنمية الحقيقية والشاملة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً في أية دولة تتطلّب إيجاد بنية تحتية ,وكلاهما، أي البنية التحتية والتنمية لا يتحققان ولا تُكتب لهما الاستدامة والتطور بمعدلات مواكبه لاحتياجات ومتطلبات الشعب في الريف والحضر معاً إلاِّ بتوفر مصادر للطاقة كالنفط والغاز ومشتقاتهما, والأهم هو توفير الطاقة الكهربائية الكافية لتغطية احتياجات الشعب واحتياجات مشاريع البنية التحتية والمشاريع الاستثمارية والتنموية عموماً. لقد أدرك زعماء الثورات التي حدثت في العديد من دول العالم هذه الحقيقة فجعلوا قضية الطاقة وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية أول وأهم المشاريع التي خططوا لإنجازها. وعلى سبيل المثال كان مشروع كهربة روسيا هو محور الزاوية لإقامة البنية التحتية وللتنمية الشاملة في روسيا أو ما عُرف بالاتحاد السوفيتي فكان المسار الذي نقل روسيا والاتحاد السوفيتي من دولة متخلّفة إلى دولة عظمى في فترة قياسية وقصيرة جداً لم تتجاوز الخمسين عاماً, فصار القطب الند والمكافئ للقطب الأمريكي. وكان مشروع بناء السد العالي لتوليد الطاقة الكهربائية هو المشروع الأول والأهم لدى قائد ثورة 23 يوليو 1952م الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وبسبب رفض أمريكا والدول الغربية تمويل هذا المشروع بادر الرئيس جمال عبد الناصر إلى اتخاذ قرار بتأميم قناة السويس برغم خطورته, حيث اضطرت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل إلى شن العدوان الثلاثي على جمهورية مصر العربية، إضافة إلى ذلك اضطر الرئيس المصري إلى التقارب مع الاتحاد السوفيتي الذي موّل بناء المشروع, واضطرت قيادة الثورة المصرية إلى اعتماد النهج الاشتراكي توجهاً سياسياً وتنموياً في تلك المرحلة. وكان غياب الاهتمام بمثل هذا المشروع أي كهربة اليمن عقب ثورتي سبتمبر 62م وأكتوبر 63م وبعد قيام الوحدة هو أهم الأسباب التي حالت دون تحقيق أهداف الثورة وبالتالي بقاء اليمن حتى الآن تحت كابوس التخلف والفقر والمرض. وبدون الاهتمام بقضية كهربة اليمن لا يمكن تجاوز أوضاع الفساد والاختلالات الاجتماعية والثقفية والاقتصادية. وهاهم أعداء اليمن من قوى الفساد والتخلف الداخلية وأسيادهم إقليمياً ودولياً لا همّ لهم إلاِّ تخريب أنابيب النفط والغاز وخطوط نقل الكهرباء لتعظيم كابوس التخلف والفقر والمرض ليظل الشعب اليمني في وضع الحرمان من المستقبل والتقدم الحضاري واللحاق بركب التطور في العالم.. وقبل كهربة اليمن لا جدوى من الاهتمام بأيّ مشروع تنموي ولا طائل من آية محاولات لتجاوز الأوضاع المتردية في البلاد. والله من وراء القصد.