الحلقة « 13» في كتابه القيّم الموسوم ب «شعر المحضار.. النشيد والفن» أفرد الدكتور عبدالله حسين البار حيزاً عن المثل في شعر المحضار وبيَّن لنا كيف يرسل أمثاله، وكيف يدخلها في القصيدة بحيث تبدو عضواً فيها لا تشذُّ عن بنيتها الأساسية في شيءٍ، وخلص إلى أن المحضار اتبع أربع طرائق في هذا المنوال وهي: عدّدها الناقد البار وهي: أولاً: أن المحضار يفتتح بالمثل القصيدة كقوله: الصبر لا جاوز حدوده قتل قل لي صبر إن رمت قتلي ويفسر الناقد البار هذه الطريقة بالقول: «وكأنه يُطَامِنُ من جيشان عواطفه فيحكم العقل فيها، وكأنما المحضار لا يطيق صبراً على ما يصنع المحبوب به، فلاذ إلى الحكمة يستلهمها القول المناسب الذي يعصمه من الانزلاق وراء العاطفة وطيشها، وما أكثر ما يصنع المحضار ذلك في مناسبات عديدة وقصائد متعدّدة» [ الكتاب ص 81]. ثانياً: أنه يختتم بالمثل القصيدة وكأنما هو خلاصة جامعة للأمر كله، ويستشهد البار بقصيدة «أهل السبب في حبيبي قالوا أيش؟» فيعدّد ما صوّره المحضار لما قالوه, ليخلص إلى المثل الذي أرسله الشاعر في ختام قصيدته القائل: من كلام الناس قد نوري ما رشن والذبالة تحرق الخيش ليفسّر لنا ذلك بالقول: «وهنا موطن الشاهد, فقد ختم المحضار قصيدته بهذا المثل «الذباله تحرق الخيش» وكأني به يريد أن يقول: إنني أخشى على البقية الباقية من المودّة بيني وبين حبيبي من الضياع، فمحا بذلك كل ما يتهدّدها بالخطر مهما صغر شأنه في نظر الآخرين» [الكتاب ص 82]. ثالثاً: أن يجيء المحضار بالمثل في أثناء القصيدة ليعضد به موقفه الوجداني، هنا ينتقي الناقد البار، بذوقه الرفيع ونظرته الفاحصة، مقطعاً من قصيدة للمحضار شملت أكثر من مثل في أثنائها يقول المحضار: تعال من ذا النهر بانستقي نهر المحبّة منه تكفيك لو قطرة دايم وهو مازال صافي نقي نفوس فوقه يوردن حرة ما يقبل أهل التيه والبطرة وأهل الطمع خذ منهم عبرة حط الطمع أهله وبكاهم شنون ويسوق لنا البار مثالاً آخر من الطريقة ذاتها لإرسال المثل عند المحضار, من قصيدته «رأس عالي» يقول المحضار فيها: ما حد من الناس راضي والله بهونك ولا حكم قط قاضي ذلا فتن أو سباب وتخبر الناس مرة با يخبرونك إن البلا والمضرة جا من وراء الحجاب فيعلق على ذلك بالقول: وهنا موطن الشاهد؛ فإن الأصل في الحكاية كلها الغدر, إذ أن أموراً دُبِّرّت بليل أدّت إلى خراب ذلك “الرأس” مثلما خربت “دار بصعر” [الكتاب ص 83]. رابعاً: أن يجيء المحضار بالمثل في «الشلّة» أو ما يُعرف عند الحضارمة «بالتخميسة» وأمثاله متعدّدة المصادر والينابيع، على حسب قول الناقد البار كقول المحضار: «المحبّة بليّة والهوى مشكلة منك بغا قلب ميدان» وقوله: «الحب فيه المزلِّة والعفو عين الصواب» وقوله: «الهوى عاطفة ما تقبل التهديد» وقوله: «زمانك زمانك يعرفك بالناس وبالناس تعرف زمانك» وقوله: «لا بندوا الشرقي ما شيء من القبلي برود» وما إلى هنالك من ذلك. يقول الدكتور عبدالله حسين البار في تلخيصه للمثل عند المحضار: «وإذا كان التأمُّل في شؤون الحياة قد قاد المحضار إلى إرسال المثل في مظانٍ متفرّقة من شعره فانتشرت فيه على صور وحالات متعدّدة فلأنه عمد إلى بلورة كثير من تجاربه في الوجدانية بالحياة على هذه الصور من صور القول».