تسمّرت أمام شاشة التلفاز مثلي مثل كثيرين, متلهّفين لسماع ردٍّ يضاهي في القوة قوة الصدمة التي أصابتنا من صور ذبح جنودنا في حضرموت, وأنا أنتظر النشرة كنتُ أرتجف مثلهم من هول لحظاتهم الأخيرة, يسكنني خوف ماذا لو ذبحهم الرد الرسمي ثانيةً..؟!. بقيت أمام القناة الرسمية أنتظر أخبار التاسعة والدقائق تفرق معي كما تفرق كثيراً تلك الدقائق في سرعة إنقاذ شخص ما, أنتظرتها كما لو أني أنتظر مسعفاً ليوقف نزف عنقي المتدفّق, لكن لا حياة لمن أنادي, وكالعادة كنت في موعد مع من لا يأتي أبداً..!!. كان الموقف بالنسبة لي صادماً وبشعاً؛ مثله مثل تلك الجريمة الشنعاء, لم يكن هناك أي تفاعل في النشرة مع الجريمة إلا بعد ربع ساعه من النشرة وببيان نعي ركيك, كان بمثابة سكين أصابت قلبي المفجوع وصدمة ثانية لوطن لم يعد منذ مدّة يمنحني سوى الخيبة والصدمات, ذبحني برود الرد الرسمي من الوريد إلى الوريد, تماماً كما ذبح الأوغاد أولئك الجنود المساكين المغلوبين على أمرهم وبدمٍ بارد. مثل ذلك الجندي الغارق في دمائه؛ كنت أغرق في تيه تساؤلات ما الذي يحدث، ولماذا كل هذا البرود مع هكذا فاجعة، تماماً كما حدث مع سقوط عمران ونهب لواء بأكمله..؟!. راودتني كثيراً صور أمهاتهم, نسائهم, أطفالهم, هؤلاء جميعاً وهم يتلقّون خبر مقتل ذويهم بتلك الطريقة التي فيها من البشاعة والإجرام ما لا يمكن وصفه أو الاعتذار عنه لذويهم, راودتني صور وجوههم حين يرون تلك الصور المُرعبة لرؤوس ذويهم يحملها السفلة المتباهون بجريمتهم النكراء. تساءلت: كيف يمكن لصغار أولئك الجندي والأب الذي ذُبح كما تُذبح الشاة أن ينسوا صورة أبيهم غارقاً في دمائه, وكيف لهم أن يسامحوا من يتقاعس عن حماية أبيهم..؟!. وطن خذل أباهم حتى ببيان نعي لائق, وسيخذلهم لاحقاً في كل لحظات الفقد والحاجة التي لن تلبّيها بضع آلاف كانت هي راتب أبيهم المذبوح بسكين غياب الدولة قبل سكين الإرهاب..؟!. للأسف لم تكن سكين الإرهاب فقط هي التي نالت من رقاب جنودنا وقتلتهم بتلك البشاعة وبذلك الرخص والإجرام, لكن سكين غياب الجهات المعنية كانت الأسبق في تلك الجريمة, وإلى أن تحضر الدولة وتشحذ سكّينها كدولة ليس على البسطاء وحسب سنكون على مواعيد مع صدمات أكثر بشاعة؛ وحينها فقط لا تنتظروا نشرة التاسعة مساءً.