لا نُريد هنا أن نلوم أي طرف على حدوث تقصير ما سواء أكان جديداً أم قديماً حيال الأسباب والمؤامرات التي قادت إلى وقوع كل تلك الجرائم بحق الإنسان والدين والثقافة والثوابت والأخلاق والتاريخ والحياة في بلادنا، من قِبل عناصر ما يُعرف ب«أنصار الشريعة» الذين بالغوا وتمادوا بجرائمهم، التي كان آخرها مساء الجمعة 8 أغسطس، حينما قاموا بخطف الجنود ال «14» في الطريق ما بين «شبام - سيئون» ومن ثمّ ذبحهم ليس كالخرفان، فحسب، إنّما بصورة أكثر وحشية وقسوة وتجرُّد من أبسط المشاعرالإنسانية وأخلاق والقتل وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يقول لنا : «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة»، والمراد بالذّبح هنا هو ذبح الحيوان وليس الإنسان؛ لأنه مُكرّم ومُستخلف في الأرض، ولا يُذبح، أو يُعامل كالحيوان، أو أسوأ منه كما حدث في هذه الجريمة البشعة. المهم لعلّ الذي نريدُ أن نُشير إليه هو أن هذه الجرائم يجب أن تكون دافعاً قوياً للمجتمع وعلى رأسه المقاتلون الشجعان من منتسبي الجيش والأمن لإخراج البلد من هذا الليل الطويل وتحصينه من أصحاب الشهيات الشرهة والمفتوحة للقتل والذبح والبشاعة، والانتصار للجيش والزّي العسكري وتاريخ النضال الشريف والتسامح المشهود في البلد. فذبح الجنود بتلك الطريقة الصاعقة وتوثيق لحظات التنفيذ المخزية دون حياء أو خجل أو خوف ،أو وازع من ضمير وذرّة من إحساس وشعور كاف بتعريف الناس بحقيقة مشروع أولئك «الذّبّاحين» ودرجة استهتارهم بدماء الآخرين وحياتهم، إلى جانب بُعدهم عن قيم الدين الإسلامي وتحديهم للمجتمع ومشاعره وقيمه وجيشه ومؤسساته وكرامته. نقول: نحن على يقين كبير وثقة مطلقة، إنه لولا مروءة الشهداء ال «14» من الجيش، ونزولهم عند رغبة رُكّاب الباص وسائقه، الذين خشوا على أنفسهم من نتائج دفاع الجنود المغدورين عن أنفسهم، واضطرارهم لإخفاء أسلحتهم لكان الوضع مختلفاً تماماً، فالجنود الذين سمعهم بعض رُكّاب الباص كانوا يخطّطون - في حال تم اعتراضهم من طرف «الدّواعش» - للدفاع عن أنفسهم ومؤسستهم وحياة اليمنيين وأمنهم. كانوا قادرين على الإيقاع بأكبر عدد من الإرهابيين ونجاة بعضهم أو استشهادهم جميعاً، لكنّ بشرف وعزّة وكرامة. ولم يكونوا - لولا مروءتهم وخوفهم على حياة الرُّكاب - سيقدمون أنفسهم بتلك الطريقة ل «جلال بلعيد المرقشي» ومن معه من السّفاحين، كي يذبحوهم وسط مدينة «حوطة حضرموت» ويتلذّذون بتعذيبهم وزهق أرواحهم أمام الأشهاد والاستعراض الرّخيص، بجزّ أعناقهم وإيصال رسائل طائفية ومناطقية كتلك التي تضمّنتها خُطبتيّ «بلعيد» في فيلم الخزي والعار الفاضح الذي قاموا ببثّه بعد الجريمة.. أمّا الذي نُريد التأكيد عليه هنا هو أن جنودنا الأبطال ليسوا بذلك القدر من الركاكة والاستسلام للقتلة وليسو بتلك الصورة التي حاول «القاعديون» تقديمهم للناس من خلالها. وجنودنا - أيضاً - ليسوا مذهبيين ولا طائفيين ولا مناطقيين ولا جنوبيين ولا شماليين ولا تهاميين، ولا حوثيون، فلا تعنيهم هذه التقسيمات أوالتصنيفات أوالفرز السخيف الذي حاول «بلعيد» أن يوهم البسطاء ويقنعهم به أو يؤسّس له. إن الذي يجب أن يعلمه الجميع ويُحسن الظن به هو أن الجنود الذين يدافعون عني وعنك وعن أطفالي وأطفالك وأمني وأمنك وثقافتي وثقافتك ومدرستي ومدرستك وجامعي وجامعك وعِرضي وعِرضك ومدينتي ومدينتك وقريتي وقريتك وحريتي وحريتك وحقي في الحياة وحقك في الحياة هم قبل وبعد بشر ويمنيون بكل ما في الكلمة من معنى ودلالة، يمنيون أُصلاء من طينة هذا البلد بتعدده وتنوعه، ينتمون لخارطة كبيرة اسمها «الجمهورية اليمنية» بكل خلفياتها وأبعادها، ينتمون لتاريخ طويل جداً من الانتصارات والانكسارات والأفراح والأتراح والحضارة والتسامح، ينتمون لأهل اليمن أصحاب القلوب الطيبة والقوة والبأس الشديد. اليمن في نظرهم ونظر كل شريف ومنتمي ستظلُّ أكبر من أي تقسيمات أوشعارات وأكبر من «أنصار الشريعة» و «أنصار الله» و «الحراك» والقبائل، والأحزاب، والشافعية والزيدية، والسلفية، وأكبر وأغلى من كل الرايات السوداء والحمراء والصفراء والخضراء، وكل ألوان ونعرات الطائفية والمناطقية وغيرها. وتأسيساً على ما سبقت الإشارة إليه نعتقدُ، وبيقين جارف أن أبطال المنطقة العسكرية الثانية واللواء «35» وبقية وحدات الجيش المرابطة في سيئون والمكلا، ومعهم صقور الجو واللجان الشعبية وغيرهم قادرون على الانتقام لرفاقهم ال«14» ولليمن كلها، ولقيم الدّين وللإنسانية وللثقافة وللحب والسلام والتعايش. وكلنا ثقة في أن المقاتلين الميامين من منتسبي الجيش والأمن سيجعلون من جريمة ذبح رفاقهم منطلقاً وحافزاً لتطهير البلاد من الإرهاب ودعاة الطائفية ومكتشفي القتلة وكل الذين يسعون في الأرض فساداً. أما أبناء حضرموت الوادي من أدباء وعلماء وفقهاء روابط العلم والصوفية في تريم التي مثّلت عبر مئات القرون من تاريخنا الإسلامي اليمني منارة وقبلة للشرق والغرب، حيثُ نشر أبناؤها الدين الإسلامي والتجارة والعلم في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأصقاع الأرض فإنّهم مطالبون اليوم بالدفاع عن تاريخهم وإرثهم ومنطقتهم وحياتهم من خلال توعية الناس في الوادي والصحراء من خطر «الدّواعش» الذين سينتقلون قريباً - إذا ما تركهم المجتمع وفقهاء العلم والشريعة في تريم واليمن كلها، يمارسون القتل والخراب - لتدمير منارة ومسجد المحضار وقصور شبام وروابط العلم في تريم وخارجها، وسيقتلون العلماء والأدباء والفنانين وسينسفون الأضرحة والمدارس وكل المعالم التاريخية والحضارية والمقدسات الإسلامية وقيم التسامح والتعدد والوسطية، وهذا دون أدنى شك لن يقبله عاقل ولا عالم ولا حضرمي ولا يمني ولا جندي ولا مثقف ولا سياسي. ونعتقد أن جميع العقلاء يدركون خُبث شعارات ومحاولات تحرُّك هذه العناصر على خطوط تقاطعات السياسة والمصالح والمناطقية المذهبية وغيرها من الملفات. [email protected]