ما يشهده وطننا الحبيب هذه الأيام من فتن ومشاكل تتفاقم يوماً بعد يوم, يجعلنا كأبناء محبين ومخلصين لهذا الوطن, نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً وقلقاً على هذا الوطن الغالي, من خطر تداعيات هذه المشاكل والفتن على أمن واستقرار ووحدة ومصير ومستقبل هذا الوطن. وخير لنا أن نخسر مراكزنا وأموالنا وأحزابنا وممتلكاتنا وحتى أنفسنا على أن نخسر وطننا. إننا كمواطنين يمنيين نعيش على ثرى هذا الوطن الغالي ونستظل بسمائه, يجب ألا نقف اليوم على الحياد ونختار منطقة الاستقلالية في جغرافية التغيير, ونحن نرى وطننا العظيم بتأريخه وجغرافيته ومكانته ووحدته أمام تداعيات الخطر, الخطر الذي قد يعني الإلغاء والركون إلى الزاوية الميتة في ذاكرة هزيلة تحتفظ بحكايا تحاول جرّنا إلى ماضي التخلّف والتشطير. إن الخطر المصيري الذي يهدّد الوطن اليوم , والذي تسعى إلى إحداثه أطراف فقدت هويتها الوطنية, وتطبل له أجندات سياسية وفضائيات إعلامية, يعني ممارسة جرمية سلوكية شنيعة مع سبق الإصرار والترصّد لاغتيال الوطن. والذين يحلمون بذلك متعكزين على هويات فرعية سيجدون أنفسهم أمام تحدي الفرعيات الأخرى والتي تعني الدخول المباشر في تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم. وحين يُقتل الوطن لن ننتظر أن نصطف في طوابير عزائه أو نرقص على جراحاته النازفة, لأننا عند ذلك سنكون بالمطلق في حظائر الموت المخزية أوفي مزبلة التأريخ. ولا يمكن أن نقف على أطلال وطن نشيّعه كالآخرين. لأن ذلك يعني الترجمة الحقيقية لنتائج الخطر المصيري إذا ما تعرّض له الوطن لا سمح الله. إن ما يحدث اليوم من قتل وسفك دماء واعتداءات على الأبرياء والممتلكات العامة والخاصة وتربّص بأمن ووحدة واستقرار هذا الوطن, يعبّر عن هوية تتداعى بين فك القادمين من كهوف التاريخ, والأذيال التي تسير في ركاب العمالة والحنين إلى ماضي التخلّف والتشرذم, وهو كذلك اختبار وتحذير شديد اللهجة للقادم من أيام الوطن الذي يسير مقترناً بسلوكنا، وتصرفاتنا كأفراد وجماعات, إذ ليس عيباً ولا خسارة أن نكون مختلفين سياسياً ومذهبياً أو فكراً وثقافة، فهذا الاختلاف هو نسق حياتي يمكن أن يدفع إلى النمو والتطور والتكامل, ولكن العيب والخسران العظيم هو أن نختلف في الوطن، فذلك يعني أن نخسر الوطن بكل منظوماته التكوينية وبكل دلالاته التاريخية والجغرافية والاجتماعية والسياسية. إن حضارة ووحدة وأصالة هذا الوطن الضاربة بقوة في جذور التاريخ تكويناً وتشكيلاً, لا يمكن أن تكون نهباً لخطر يستهدف وجوده ومصيره. كما إن الخطر الحقيقي ليس مقترناً بالقادم أو الآخر المحمّل بأجنداته والمحمل بأحقاده. إن الخطر الحقيقي هو في الداخل، في المنتمي الذي يحاول الخروج من العام إلى الخاص ومن الكل إلى الجزء خروجاً ربما ساهمت فيه ظروف أو مراحل معينة بحثاً عن حالة اطمئنان، لكنه بالمطلق الخروج الخاطئ. الذي يمكن أن يهدّد أمن واستقرار ووحدة ومصير الوطن وربما يثار السؤال الكبير وهو: كيف يواجه الوطن اليوم خطراً وجودياً أو مصيرياً وهو بكل هذا الإرث والأصالة والتحدي؟ والجواب هو أن الخطر دخل واعتاش كطحالب ونما وترعرع على خلافاتنا التي أوجدتها الأزمات السياسية المتتالية والمكايدات الحزبية, التي ألقت بظلالها على النسيج الاجتماعي فأحدثت شرخاً فيه، وعلينا أن نعالجه بمزيد من التماسك والتشبّث بالهوية الوطنية. وترسيخها في قلوبنا وعقولنا وسلوكنا وتصرفاتنا كأفراد وأحزاب وتنظيمات سياسية واجتماعية. وذلك لن يتحقق إلا إذا شعر كل فرد منا بأهمية دوره في بناء هذا الوطن وتنميته والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره, وعندما يخرج كل منا من عباءته الفكرية والمذهبية والحزبية والمناطقية ليحتمي بحمى الوطن، ويسعى من أجل تحقيق مصلحته العليا, بعيداً عن أية مصالح شخصية أو حزبية أو مذهبية أو فكرية أو مناطقية ضيقة. وختاماً أقول: أيها العقلاء والحكماء من علماء وقادة وشخصيات سياسية واجتماعية ومفكرين ومثقفين وإعلاميين وشباب من أبناء هذا الوطن الحبيب. لقد آن الأوان اليوم لأن ترتفع أصواتكم وتتوحّد صفوفكم وتبرز على أرض الواقع جهودكم لإنقاذ هذا الوطن وحمايته من أيدي العابثين والمغامرين والمتربّصين بأمنه واستقراره, مهما كانت مراكزهم وقواتهم وانتماءاتهم فأنتم الأقوى بفضل الله أولاً ثم بحكمتكم وحبكم وولائكم لهذا الوطن وحرصكم على سلامته وأمن كل فرد من أبنائه, الذين سيكونون معكم لأنهم يتطلّعون من خلالكم إلى مستقبل مشرق لهذا الوطن مستقبل تصنعه العقول النيرة والأفكار المبدعة والسواعد المنتجة والحاملة لأدوات البناء والإعمار والتطوير, وليس العقول المتخلّفة والأفكار المتحجرة والسواعد الحاملة لآلات الموت ومعاول الهدم والدمار والتخريب. حفظك الله يا وطني الحبيب من كل القلاقل والمشاكل والفتن, وطهّر الله أرضك الطيبة من كل الأشرار والظالمين والمتربّصين بخيراتك ووحدتك, لتبقى يا وطني الحبيب نقياً صحيحاً, قوياً موحداً, تحمل بذور الخير والسلام والمحبة لكل الدنيا, ولتظل يا وطني الحبيب البلد الطيب الذي قال عنه ربنا العظيم في كتابه الكريم (بلدة طيبة ورب غفور) ومنبع الإيمان والحكمة كما قال عنك نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية). ولتظل يا وطني الحبيب مصدر فخر واعتزاز لكل أبنائك المخلصين والشرفاء الذين يكنون لك الحب والولاء والوفاء أينما كانوا وحيثما حلّوا على ترابك الطاهر أو في أي مكان في أرجاء المعمورة. وحسبنا الله ونعم الوكيل. *أستاذ التسويق المساعد - جامعة تعز.