كثر دعاة الإنسانية من أبناء جلدتنا داخل مجتمعاتنا المسلمة جاهلين أو متجاهلين أن الإسلام دين إنساني جاء ليُرسي التكريم الإلهي الذي منحه الله للإنسان كإنسان حينما كرّمه على سائر خلقه، فقال مبيناً: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا». جاء هذا التكريم من الله للإنسان ليكون خليفته في أرضه تجسيداً للمقصد الذي لأجله خلق الله آدم عليه السلام وحفظ نسله من بعده مصداقاً لقول الله جلّ في عُلاه: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً». لذا اقتضت حكمة الله أن يميّز هذا الإنسان على سائر الخلائق بالعقل وحسن الخِلقة، قال ربنا سبحانه: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»، وقال أيضاً:(يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ. الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) وجاء التشريع الإلهي ليصون كرامة هذا الإنسان فضمن له حريته حتي في الاعتقاد، قال الله سبحانه: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وضمن له حقه في الحياة، قال سبحانه:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ، إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً) وضمن له حماية حقه في التملك والعيش بسلام، فقنّن ربّ العزة والجلال أحكاماً رادعة في حق من يفسد في الأرض بقتل وسلب وقطع طريق قال سبحانه:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ). هذا هو ديننا يا دعاة الإنسانية فأرونا تعاليمكم التي وجدنا ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها استعباد وسحق للآدمية وسير بالبشر نحو البهيمية لا الإنسانية.