ما يجري على الساحة الوطنية من متغيرات سلبية ناجمة عن اتساع قاعدة الجماعات المسلحة وانتشار لغة العنف والقوة، يعد تحدياً كارثياً يواجه الدولة المدنية المنشودة، ويعرقل بكل المعاني والأبعاد مخرجات الحوار ويدخل البلاد في آتون صراعات دامية تفتك بكل المقدرات وكل الأحلام التي عاش لأجلها الوطن والمواطن في الاستقرار والأمن والتنمية، ومن ثم فاستمرار هذا التحدي ماثلاً، دون مواجهة حقيقية من السلطة والمجتمع بتنظيماته السياسية والاجتماعية يعني أن لغة السلاح هي التي تتكلم وأن لغة السلام ستغيب ويغيّب أصحابها، إن الصمت الجاري عن التوسع السرطاني للجماعات المسلحة والمسلحين، لا يبشر بخير، ولا يدل على وعي بالآثار المترتبة على ذلك، إذ قد يعتقد البعض أن انفجار الموقف وتوسع دائرة المواجهات، لن تطالهم، وأنهم سيكونون في مأمن منها، فهم يعيشون وهماً قبيحاً، لن يدركوا، إلا حين يقع الفأس على رؤوسهم، وعندها لن ينفعهم إدراكهم المتأخر، حينها سيكونون في دائرة الدماء والدمار، المخيف والمريع في الأمر، ليس في وجود تلك الجماعات المسلحة، ومنها جماعة الحوثي، قدر اتصالها بالقوى التي تدعي وصلاً بالتقدمية والحداثة والدولة المدنية، وتقف إما إلى جانب الجماعة المسلحة، أو تقف على حد تعبيرها على الحياد، في حين أن قضايا الوطن لا تحتمل الحياد ولا تقبله فإما أن تكون مع الوطن أو ضده، ومن ثم هل من المنطق التقدمي والحداثي والمدني، أن يعبر عن الرأي بقوة السلاح واحتلال المدن والمحافظات والدخول في معارك تقتلع الأخضر واليابس، وتأتي البنى المتواضعة التي أكتسبها الشعب عبر عقود من الزمن، والتقطها على حين غفلة من الأيدي التي سرقت أحلامه، وما تزال إلى اللحظة.. إن الخصومات السياسية والحزبية لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى تجاوز القيم التي نؤمن بها، وتسير في طريق مضاد لها على سبيل المماحكات وتصفية الحسابات التي لا يمكن على الإطلاق أن تجعل طرفاً رابحاً وآخر خاسراً بكل المعاني، لأن الحقيقة التاريخية تقول في صراعات من هذا النوع أن الخاسر الكبير هو الوطن، وأن الأطراف جميعها مهزومة حتى من يظن أنه أنتصر وفق حساباته، ومن ثم فالمعالجة التي تستقيم وقيم المواطنة والانتماء والولاء للوطن وقضاياه تحتم على كل القوى بدون استثناء استشعار مسئولياتها، والإسراع في تكوين اصطفاف وطني قوي ورادع ومسئول ينحاز انحيازاً كاملاً للوطن وسلامته وأمنه وطموحاته في الأمن والاستقرار والتنمية، على هذا لم يعد مقبولاً من أي أحد أن يدعي أنه محايداً وأن الأمر لا يخصه، والوطن يواجه تحديات جوهرية مصيرية تصيبه في مقتل وتبدد كل الآمال والطموحات وتوسع من مزرعة الآلام والجراحات ومساحات الدماء والانتهاكات المختلفة للأرض والإنسان.. نختم بالقول: إن عقلاء الوطن إن كان هناك عقلاء بالمعنى الدقيق والكلمة أن يخرجوا عن دائرة الصمت ويعلنوا كلمتهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يكونوا في مقدمة من يسحقهم الجنون والتهور من المصابين بهوس القوة وشهوة السلطة. والله من وراء القصد