التغيير الحكومي المرتقب لن يتسنى له إحداث إضافة جوهرية تساهم في خفض درجة الصراع السياسي والاستقرار المعيشي للمواطن إذا استمر العمل بمرجعية “المحاصصة الحزبية” في التشكيل الوزاري الجديد كون هذه المرجعية الكاسدة ثبت فشلها الذريع مع أكثر من حكومة سابقة ومن الخطأ تجريب المجرب الذي عجناه وخبزناه ولم نحصد من ورائه سوى المزيد من التدهور والانقسام والتآكل، الوقت ضيق ولا يحتمل إجراء تجارب مخبرية معروفة النتائج سلفا لذلك من المعيب والمريب الاستمرار في هذا النهج والمسلك الخائب. الخلل ليس في الوجوه الحكومية حتى تستبدل بأخرى بل يرتبط ارتباطاً مباشراً بتميمة “المحاصصة” التي يحاول منجمو السياسة بكلمات مبهمة مصحوبة ببخور تتصاعد أدخنته من موقد الأحداث المستعر إقناعنا أنها تطرد الأرواح الشريرة وتحمي الحكومة من عين اللئيم ومس الشيطان الرجيم ويهب الله على يديها مفاتيح النعمة والنعيم لهذا الشعب المقيم على العذاب الدنيوي الأليم لكن شيئاً من ذلك لم يحدث وغدا الترهل الوزاري والتكلس الإداري والانفلات الأمني ثالوثاً بارزًا يحاصر الحكومات المتعاقبة ويفرض عليها ما تفعله وحدود ما يمكن أن تقوم به على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار” وإذا كان من سبب رئيس أتاح للميليشيات المسلحة التجبر والطغيان وبسط نفوذها التوسعي واتباع سياسة استعلائية متغطرسة حتى على الدولة فهو هذه القاعدة التي انحرفت عن مسارها الأخلاقي ومقصدها الديني لتصبح في خدمة مطامع الحوثي التوسعية ومطامح الإصلاح التسلطية ومباضع المؤتمر الانتقامية على المرجعية السياسية في اليمن إدراك أن الخطاب الحزبي من منظور شعبي بحت أصبح ضرباً من الشعوذة بعد أن افتقد المصداقية لدى الجماهير العريضة التي اكتشفت إثر بلوغ السكين العظم أنها ظلت ولفترة غير قصيرة ضحية تنويم مغناطيسي عالي الدقة والخداع... وبناء على ما سبق فأي محاولة لاستنساخ حكومة أضداد جديدة هي في الأساس تأصيل لدويلات الميليشيات وتماد في توفير عوامل انتفاء الدولة....! “فإرضاء الأحزاب غاية لن تدرك أبداً”. في العام 1932تشكل في الولاياتالمتحدة تيار من المتخصصين في علوم الهندسة والاقتصاد وعلم الاجتماع وأطلقوا على أنفسهم مسمى التكنوقراطيين أو التقنقراطيين وأبرموا عهدا بينهم أن لا ينتموا للحزبية وأن يعملوا على بناء بلادهم وفق تخصصاتهم لأن رجال السياسة حسب مفهومهم ليس لديهم الإلمام الكافي بنظم وعلوم الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية ويؤكد المؤرخون أن أمريكا تدين بالفضل لهذا التيار الذي بلغت به شأناً سياسياً وكعباً تكنولوجيا واقتصاديا ما يزال العالم يغبطها عليه، فما أحوج اليمنيين في هذا الظرف العصيب التأسي بتجربة التكنوقراط التي تعني بالعربية “حكومة كفاءات” وطرح سياسة الفك والترقيع جانبا قبل أن تهوي البلاد إلى وادٍ سحيق من الموت والدمار والتلاشي.... على أيدي فراعنة النهب والقرواط السياسي....!