تجارب المنطقة اليمنية السياسية كدست كماً هائلاً من الدروس المفيدة التي لم يتمكن السكان ونخبهم الاستفادة منها والانطلاق بصواب الرؤى والمسير نحو حياة تخلو من الأخبار المتداولة الآن والتي تفيد بأن 60 % من السكان يرزحون تحت وباء سوء التغذية وأن الأطفال أكثر عرضة للوفاة وأن المياه الملوثة هي المصدر الرئيس للشرب, هذه التجارب أضحت ماضوية غير قابلة الآن للاستعمال ولكن بإمكان السكان تحت قيادة نخب تحترم استقلالية إرادتها وكفؤة سياسياً ونظيفة الأيادي تلمس طريق الرشاد وبقليل من التكلفة والأخطاء تأسيس دولة كاملة الاستقلالية متسلحة بالحريات والازدهار الاقتصادي.. هذه المنطقة خرجت عن جاهزية الصواب السياسي وتلقت صفعة سياسية مدوية حينما قبلت وخضعت النخب المنتمية إلى المكونات الديموغرافية للجمهورية اليمنية في الماضي لسيطرة وتحكم شخص ينتمي إلى دائرة التخلف الثقافي وأمي أبجدياً وسياسياً وهي, أي المنطقة, إلى تقديم رؤية تحتضن مشروعاً عقلانياً قابلاً للتداول والبلورة والتجسيد على مسارح ديموغرافية غير متجانسة في كل المجالات, وهذه المسارح بحاجة إلى فترة زمنية جادة لمقاربتها مع العصر وتجانسها بنسبة تصل بداية إلى 50 % ثم تعمل على تصعيد هذه النسبة لتصل عام 2050م إلى 90 %, ولن يتم ذلك إلا بالاعتراف أننا بحاجة إلى فترة مائزة عن تاريخ المنطقة السياسي الذي قام على العصبيات والغزو والاستحواذ والإقصاء والاستبعاد والاستعباد والتمييز العنصري والاجتماعي والفيد والنهب. وهذه الفترة الفارطة عبارة عن زمن ضائع ومهدور أوصلتنا إلى الحضيض الاقتصادي والثقافي وفرضت على قادة العولمة استخدام الوصاية السياسية والإدارية وهي الطريق لتعيين مجلس وزراء مصغر تحت قيادة“مهاتير محمد” وهو ماليزي شهير حكم ماليزيا عقوداً من الزمن ضحى فيها بالحريات مقابل اقتصاد مزدهر وهو الذي سوف يمثل الإدارة والأداة التنفيذية لعملية الوصاية وبدورنا وإنقاذاً لسمعة ماتبقى من عناصر النخب نقدم مشروع“الفترة التكنوقراطية” والتي تعتبر نقطة الارتكاز لاستنباط حلول ملائمة لواقع يتميز بكونه قبائلياً ومتبدوناً ومشوهاً. والفترة التكنوقراطية مصطلح جديد نحاول إقحامه في قائمة المصطلحات المتوائمة مع الخارطة الديموغرافية الماثلة أمامنا المركزة في “المسارح” التي ذكرناها آنفاً, وهذه الفترة ضرورية وملحة الأخذ بها والتعامل معها بجدية وصرامة, وتعني هذه الكلمات التزمين للإجراءات التي ينبغي الشروع في استخدامها من قبل فنيين وتقنيين أو اختصاصيين لايتدخل في أعمالهم السياسية والإدارية والاقتصادية القادة الحزبيون ومن في حكمهم من سياسيين وقادة رأي وشيوخ الإقطاع السياسي وأصحاب رؤوس الأموال وقادة أجهزة القوة تحت أية ذريعة من الذرائع وهم معصومون من نظرية المؤامرة وتدبير الانقلابات. وتعني الفترة التكنوقراطية الإحاطة الكاملة بالإيرادات الظاهرة والمخفية واستخدام الآليات القانونية لزيادة الإيرادات التي كانت تذهب إلى أرصدة المقاولين والنهابة والفاسدين وينتصب أمام هذا الفترة التقييم الصائب لثروات شاغلي الوظائف السياسية منذ استخراج النفط والغاز والمعادن الأخرى وتسويقها داخلياً وخارجياً ووضع هؤلاء أمام خيار استعادة مانُهب اختيارياً مع إعطائهم الحوافز, وإذا تعذر ذلك فيتم استخدام القانون بعد إلغاء القانون الذي يحمي النهابة من شاغلي الوظائف العليا وسن قانون عادل ومنصف. والتكنوقراطية كلمة مركبة وأصلها يوناني وتعني فني أو تقني السلطة وتعني بالمختصر المفيد“حكومة الفنيين” و“تكنوقراطية” حركة ظهرت سنة 1932م في أميركا, وكان التكنوقراطيون يتكونون من المهندسين والمعماريين والاقتصاديين المشتغلين بالعلوم.. و“تكنوقراط” هم النخب المثقفة الأكثر علماً وتخصصاً في مجال المهام المنوطة بهم وهم غالباً غير منتمين للأحزاب. والحكومة التكنوقراطية هي الحكومة المتخصصة غير الحزبية التي تتجنب الانحياز لموقف أي حزب كان أو تكتل أحزاب سياسية وهي غير عصبوية وغير منتمية للأيديولوجيات وتظهر هذه الحكومة في حالة الخلافات السياسية المؤذية والتي تؤدي إلى فشل الدول أو وقوعها في مأزق الحروب بشتى أنواعها وألوانها. واستناداً إلى الحالة التي انزلقت إليها المنطقة وهي خانقة بعد أن شهد الاقتصاد تدهوراً خطيراً وانتشرت عصابات النهب والسلب والسرقة بالإكراه وممارسة القتل من أجل القتل(نشاط المخدرات) فإن الإسراع وبوتيرة سريعة نحو الفترة التكنولوجية حتمياً وجبرياً.