وهم من التكنوقراطيين الأقحاح، وكما هو معروف فإن المرجعية المحلية ليست ذات مصداقية وثقة المجتمعات المحلية؛ بسبب ارتهان أفكارها السياسية للخارج، وعجزها عن أن تكون مرجعية ومحل إجماع، والدليل على ذلك بأنها عجزت عن خلق بيئة صالحة لحل الخلافات السياسية بعيداً عن التدخل الخارجي. ويبدو أن هذا العجز ليس وليد اللحظة الفارقة من النزاع السياسي، بل تراكم وإرث تاريخي عريق جداً, وأعتقد أنه قد تحول هذا التراكم وهذا الإرث إلى عقدة العقد المستحكمة بالنخب السياسية والثقافية، وبأنها انصاعت للتدخل الخارجي بصورة تدعو إلى الشفقة على سلبيتها. وقدم الدكتور أبو بكر القربي مقاربة موفقة لضحالة المرجعية المحلية والقيم التي تتسلح بها لتمرير أنانيتها المفرطة؛ إذ يقول في مقابلة له مع صحيفة “الجمهورية” بتاريخ 9 يونيو 2012م: أريد من الناس أن يتحلوا بالموضوعية، وأن يقرأوا ماذا جرى من العام 2006م إلى بداية 2011م, ما الذي جرى من حوارات وحل للتوافق وللأزمات؟. هناك أخطاء ارتكبت من الجانبين، ولا يمكن أن نحمّل طرفاً ما المسؤولية, أو نقبل من طرف أن يقول لنا إنه كان يمشي على الصراط المستقيم. ولو اعترف كل واحد بخطئه أخي العزيز ستسهل علينا العملية ويسهل الإصلاح فيما بعد, لكن المشكلة أن كل طرف يعتقد أنه هو الملاك والآخر هو الشيطان, ولهذا أتينا بالآخرين لكي يساعدونا، ولكي يقربوا بين الشياطين وبين الملائكة!! والتقريب بين الشياطين (الأشرار) وبين الملائكة (الخيرين) هو بيت القصيد؛ أي الاستعانة وبدون خجل بمرجعية دولية يرضخ الجميع لمعاييرها وضوابطها وأحكامها، حيث شكلت المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية أهم وثائق المرجعية الدولية، إلى جانب قرار مجلس الأمن رقم (2014) لسنة 2011م، وتقارير جمال بن عمر إلى مجلس الأمن، وقرار مجلس الأمن رقم (2051) لسنة 2012م، والتي قد تقود إلى اتخاذ إجراءات صارمة لصيانة وحماية وثائق المرجعية من عبث الصبيان والطفيليين من السياسيين الذين لم يستيقظوا بعد بوقوع سياداتهم العامة والشخصية تحت الوصاية الدولية. (2) موقف شيوخ الإقطاع السياسي وشيوخ البطائق، وهم من انتفع من الفساد خلال فترة سلطنة النظام السابق, بل إن بعضهم أو حتى جلهم على علاقة سلبية مع أجهزة أمن. وبهذا الصدد لابد من التأني في بتر مخصصاتهم، وعدم استعدائهم بصورة مبكرة؛ لأن العديد من هؤلاء قد استمرأ مناوءة التقدم والتنمية، وسوف نتحدث عن هؤلاء حينما نصل إلى مشروع التحولات الجذرية في المنطقة القبلية. والمهم الآن عقد هدنة مع هؤلاء الشيوخ وعزلهم عن الموازنة العامة، بالتزامن مع استمرار ضخ المساعدة لهم كجزء من المساعدات الممنوحة لهم. (3) موقف أحزاب وتنظيمات اللقاء المشترك وتنظيم المؤتمر الشعبي العام، وهم الذين سوف يعارضون ويقاومون فعل عزلهم السياسي المؤقت، وسوف يقيمون الدنيا ولم يقعدوها بعدئذٍ؛ بسبب حمق قادتهم وضيق أفقهم السياسي وعدم اعترافهم بالفشل الذريع، وأنهم كانوا مصدر أذى وإعاقة للتنمية السياسية والتربية المدنية والتنمية الإنسانية، وهم من ينبغي توجيه اللوم والتوبيخ لهم بوصفهم مصدر الإعاقة لسكان يبلغ تعدادهم حوالي (25 مليون نسمة). إن هذه الكتلة السياسية العاجزة عن تقديم مشروع إبداعي لحل خلافاتها السياسية أوصلت المجتمعات اليمنية إلى العجز عن إنتاج نخب سياسية وثقافية تتسم بالثقافة العلمية الواسعة والكفاءة؛ والدليل ما وصلت إليه العملية السياسية من رداءة القوام البشري ورداءة الأداء والكفاءة، وأن هذا التكتل السياسي هو المسؤول مسؤولية تضامنية على الانهيار الاقتصادي. ومن المهم وضع هذا التكتل السياسي (اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي) أمام خيارات ذات طابع سلمي؛ الأول: تصحيح أوضاع هذه الأحزاب من كافة النواحي، وإعادة التموضع السياسي والتنظيمي بعيداً عن التمترس وراء التاريخ والماضوية والتغني بأمجاد الوحدة والانتصار في الحرب. الثاني: التجميد المؤقت وفقاً للبيان الدستوري الذي سوف يصدر من حكومة التكنوقراط، والدعوة إلى تشكيل أحزاب سياسية لا ترتبط موازنتها بموازنة الحكومة؛ حتى يتسنى لها التخلق المدني تمهيداً لانخراطها مستقبلاً في الحياة الديمقراطية (الانتخابات) التي سوف تعقب الفترة التكنوقراطية...يتبع..