فرانكشتاين رواية عالمية صدرت العام 1818 للمؤلفة البريطانية “ماري شيلي” وقد استقى منها المخرج الشهير/ستيورات بيتي مفردات فلمه الذي يحمل نفس الإسم وحقق إيرادات ضخمة تخطت حاجز ال 71 مليون دولار مع أن مدة عرضه لا تتجاوز 92 دقيقة وتدور أحداث الرواية عن شاب يُدعى فيكتور فرانكشتاين استطاع بمهارته العلمية بعث الحياة في المادة أن يبتكر في معمله الخاص مسخاً شديد القبح والدمامة ولما اكتشف بعد فوات الأوان عجزه عن معالجة شناعة المسخ هرب قبل أن تدب الحياة في المخلوق بلحظات ولم يعد من غيبته القصيرة إلا وقد أجهز المخلوق على شقيق فيكتور ووالده وعاث في الأرض الفساد والقتل وفي لقاء عرضي جمع بينهما لاحقاً طلب المسخ من صانعه ابتكار زوجة له من جنسه تؤنس وحدته ولما رفض فيكتور تلبية طلبه تحسباً لتناسل جيل من المسوخ ينشرون الدمار في المعمورة عمد المسخ إلى عروس فيكتور وانتزع أحشاءها ليلة الدخلة فقرّر العريس المنكوب الانتقام وقتل ما صنعت يداه وسوء تقديره لكنه قضى كمداً قبل إن يحقق أمنيته.. جالت في ذاكرتي هذه الرواية وكلّي خشية من أن تتحول المفاوضات السفسطائية الجارية بين الحكومة والحوثيين إلى معمل سياسي لإنتاج مسخ شديد الشبه بمسخ فرانكشتاين ولكن بهوية يمنية خالصة مطعّمة ببهارات وتوابل مستوردة يخرج عن السيطرة ومراكز التحكم.. ولو حصل ذلك لن يستطيع حينها حتى عرّابوه ومساندوه النفاد من شهوته التدميرية وسطوته الانتقامية التي لاشك ستبدأ بهم كمقبلّات لابد منها للاستفراد بالساحة وامتلاك مصير الناقة والجمل. بدأت المفاوضات الحكومية الحوثية من 20 أغسطس الماضي بلجنة رئاسية طارت إلى صعدة بقيادة بن دغر وبعد 20 ساعة من التفاوض مع زعيم أنصار الله وخلصائه المقربين عادت اللجنة بخفيّ حنين تلاها تفويض ضمني للدكتور الإرياني وأمين العاصمة هلال للتحاور مع حسين العزي ومهدي المشاط ممثلي الحوثي لكن الفشل كان حليف هذه الجولة أيضاً ولتلافي انهيار جسور التواصل بين صعدة وصنعاء تدخلت العناية الأممية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المفاوضات حيث عقد العزم المبعوث الدولي «بنعمر» على تناول وجبة غداء في صعدة وتحديداً على مائدة عبدالملك الحوثي لعل (العيش والملح) يثمر عن وصفة سياسية تُرضي نزوات السيد وتزيل الإمساك الشديد في مسار المفاوضات الذي أصبح يشكّل مصدر همّ وقلق، فكلما تحدثت أنباء عن انفراج وشيك بين طرفي الحوار قوبلت بأخرى تنفي صحة تلك الأخبار وتصفها بالتخرصات الكاذبة وكأن الوصول إلى صيغة اتفاق يحفظ اليمن ويصون دماء أبنائه عار وشنار وخيانة يُحاسب عليها القانون..! إنها نكتة سوداء هي أقرب إلى البكاء منها إلى الضحك. إن مطالب الشعب المحقة ليست في تخفيض الجرعة وإسقاط الحكومة كما يدعي زعيم أنصار الله في خطاباته المسائية المتلفزة بل في وقف تصاعد وتيرة نزيف الدم الناجم عن المواجهات المسلّحة التي تمنح الموت المجاني في أكثر من جبهة أبرزها الاقتتال الضاري في مديرية مجزر محافظة مأرب والاحتراب الشرس في مديرية الغيل محافظة الجوف ومنهما إلى الاشتباكات المجنونة التي دارت رحاها في عدد من الشوارع الرئيسية داخل أمانة العاصمة صنعاء ومن ضحايا أحداث رئاسة الوزراء مروراً بمواجهات حزيز العنيفة مع وحدات من قوات الاحتياط ولم يسلم من لظاها حتى المواطنون إلى قرية القابل ومنطقة شملان التي تفاجأ سكانها وهم يستيقظون صباح الأربعاء 17 - 9 -2014 على مشهد تناثر جثث 16 جندياً على قارعة الطريق بعد اعتراض عناصر حوثية لتعزيزات عسكرية كانت في طريقها إلى وادي ظهر لاحتواء مواجهات كانت اندلعت بين القبائل ومسلحين حوثيين. ولنكن صرحاء لو كانت الجرعة وإسقاط الحكومة هما محور المفاوضات والرحلات المكوكية المتبادلة لكانت الحلقات الضيقة فرجت منذ وقت مبكر، لكن المؤشرات تدل على أن وراء الأكمة شيء رهيب وربما أشياء رهيبة مما لا نعلمه ولا نفهمه وهي من الفظاعة بحيث لا يجرؤ الحوثيون أنفسهم وألد أعدائهم الإصلاحيين على الإفصاح عنها.. نصيحة إلى الفرقاء “إذا كانت المفاوضات لا تنفع فتركها لن يزيد الوضع ضرراً” قبل أن تجدوا أنفسكم ومن ورائكم الشعب أمام مسخ فرانكشتاين من صنع أيديكم لا يُبقي ولا يذر..! [email protected]