في تصريح مقتضب حول مستجدات الأوضاع في اليمن أعلن المبعوث الأممي جمال بن عمر أن التوتر بلغ مستوى عالٍ ولا مخرج من هذا المأزق - حد تعبيره - إلا بحل سلمي توافقي.. وهو كلام منطقي ولا غبار عليه لكنه غير جديد فلو كان لأقطاب حلبة الصراع السياسي ميزة المرونة المطلوبة وروح الاستعداد للتنازل والبذل لما انحدرنا إلى عتبات الأبواب المفضية نحو المجهول والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كم يلزمنا من الوقت لانتظار اللحظة التي يثوب فيها الفرقاء إلى رشدهم ويتكرّموا علينا بصيغة توافقية ولو عرجاء تتيح للشعب المنهك التقاط أنفاسه وتساهم في خفض درجة الغليان وتقليص بؤر النزاع ومنابع التوتر..؟ والجواب: إن مكرمة سياسية من هذا النوع وإن كانت غير صالحة تماماً لمكافحة سوء التغذية الوطنية الشديد الذي تعاني منه أحزابنا السياسية ولن تعيد العافية الكاملة للجسد اليمني إلا أن المواطن لن يحصل على هذه الوجبة البخيلة على المدى المنظور مع ما عرفت به النخب الحزبية من فجور في الخصومة وتصلّب في المواقف وسيظل (أبو يمن) ينتظر وينتظر حتى آخر قطرة من انتظاره....! وإلى أن يحين حين هذه القطرة لا يمكن التكهن عن حجم النكبات والكوارث التي تكالبت على الوطن حينئذٍ أو بالأصح بقايا ما كان يُسمى إلى الأمس القريب ب«وطن». من أجل ذلك ودرءاً للسقوط في بركة «هوتو وتوتسي» جديدة ولكن بنكهة صنعانية وصعدية وعمرانية وذمارية خالصة مرتكزة على ثقافة التصفية العرقية والقتل بالهوية فإن من الخطأ التعويل على الحل التوافقي كخيار واحد وحيد، لأن فرص ولادته في ظل المعطيات الجديدة ضئيلة جداً خاصة إن ضبابية المشهد السياسي في اليمن لا تكاد تبصرنا بوجود طلائع وطنية معصومة من الأهواء والمغريات والصفقات المشبوهة تعمل على فسخ (شباج) الساسة الكبار - الذين لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة - وتزيل الانتفاخ المزمن بين القوى المتصارعة على السلطة ومن السلطة.. لابأس من السير قدماً في مسار البحث عن الحل التوافقي فهو الأسلم لكن ليس إلى ما لا نهاية بل في إطار آلية مزمنة، فإن تعذر الحصول على هذا المسعى وركب كل طرف رأسه فالانتقال إلى كنف الدولة وقتها وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تكون مخولة في اتخاذ ما تراه مناسباً لإخراج الشعب من عنق الزجاجة وإحداث انفراج في الوضع الراهن وفق برنامج زمني محدد ومسئول يعتبر فرض عين ومن يحاول الاستمرار في ثقافة الإيذاء التي جُبل عليها والاستمرار في ألاعيبه العبثية كنهج رخيص وقذر للارتزاق على حساب عذابات أكثر من 25 مليون طفل وامرأة وشاب ورجل وكهل ومُسن ومُعاق ومريض هم قوام الشعب اليمني الذي يفتك الفقر بهم وينخر عظام السواد الأعظم منهم، فما على الدولة سوى مناجزة الطرف المتمرد واستخدام الإجراءات القانونية الصارمة أولاً وإن أبى إلا الضلال والعته فلا مفر من اللجوء إلى القوة العسكرية كخيار ثانٍ ونهائي وحاسم. [email protected]