من ينظر إلى أحوال اليمن وما آلت إليه وما لحق بها من أضرار سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية يتأكد له أن اليمن ضحية ذئاب بشرية لا تفقه في دنياها سوى نهش خيرات الأمة وهم على أهبة الاستعداد لسوق الناس سوقاً إلى ميادين الهلاك والموت إذا ما شعروا أن ثمة خطراً يتهدد سلطانهم أو سلطاتهم ولو كان هذا الشعور مجرد وهم وتهيؤات لا أساس لها في الواقع، أما الوطن وإن تعرض لصنوف الإرهاب والدمار وذاق شعبه من أوجاع الاحتضار المبرحة ما ناله فالمسألة فيها نظر وتحتاج إلى الحكمة والتأني والصبر وتوخي الوسائل السلمية في المعالجة ولو كلّف ذلك هلاك الزرع والضرع والناس أجمعين. إنها مفارقة عجيبة مفادها: إن الوطن وأهله لا يساويان شيئاً في ميزان مصالح الساسة الأباة حماة اليوم وصنّاع الغد المشرق بالخير والعطاء كما يحبون أن يوصفوا ويحمدوا بما لم يفعلوا. الأحزاب والتنظيمات السياسية المتباينة والمتحالفة والمشتركة تحولت من بساط لنقل البلاد من جِنان الرفاه والرخاء والاستقرار إلى نعوش مزركشة لتشييع جثامين أحلام الناس وتطلعاتهم إلى مثواها الأخير وإقناع البسطاء بانتظار نفخة إسرافيل الأولى كي تعود الروح إلى جثامينها فالحياة الآخرة أبقى وأنقى لمن خاف واتقى وآثر الحياة الباقية على الدنيا الفانية. الأحزاب في الدول العربية أفيون الشعوب وفي بلادنا أكثر أفيونية فقد تحوّلت بفعل عوامل التعرية السياسية إلى قفازات تساعد في غموض شخصية الجاني وتمييع الجرائم وتسجيل أغلبها ضد مجهول ولا أدل على ذلك من أن الدمار في بلادنا كلما مرت الشهور والسنون نراه يمدّد ولا يبالي من غدر الزمان إذ أنه على يقين تام بأنه مُحاط بالرعاية والاهتمام من طرف ليس للملائكة ولا لقيم الدين والأخلاق والإنسانية إليه سبيلاً. على الأحزاب السياسية وما يلحق بها من نسب شرعي أو غير شرعي من منظمات المجتمع المدني أن تقر وتعترف بأنها تعاني من عسر في استيلاد «بناة» للوطن والقيم والمبادئ يقابله إسهال حاد في إفراز «الجناة» ولو لم يكن غير ذلك لما غدا الخراب لزيماً لهذا الشعب المنكوب كظلّه بالتوازي مع غياب أدنى درجات الأمن والاستقرار والسكينة والعيش الكريم. [email protected]