في أبريل 1994 ، وبينما كان الرئيس الرواندي المنتخب عائدا إلي بلاده عقب توقيع اتفاقية سلام بين حكومته والجبهة الرواندية المتمردة ، أخترق صاروخ طائرته لتسقط محترقة وتندلع أكبر مذبحة أفريقية قادتها مليشيات (إنتراهامو) من متطرفي قبيلة الهوتو وبرعاية مباشرة من الجيش الرواندي ذي الأغلبية من الهوتو أيضا ضد "التوتسي" . المذبحة راحت ضحيتها قرابة مليون قتيل من قبيلة التوتسي قتلوا بالسواطير والسيوف والرصاص الحي في مجزرة بشعة شارك فيها اعضاء جبهة الانقاذ الحاكمة هناك بالتعاون مع الجيش ، وكانت بمثابة إبادة جماعية واضحة ناتجة عن جهل وتعصب أججه صراع القوي الاستعمارية (فرنسا وبريطانيا وأمريكا) علي المصالح والنفوذ في هذا البلد الهام علي منابع النيل ، وكانت مثال حي علي (جرائم الحرب الغربية) في القارة السمراء . اليوم نري من يروجون لنفس هذا المشهد الدموي في مصر وإتباع نفس الحلول الرواندية بالقتل والإقصاء من جانب تحالف "هوتو" الانقلاب العسكري مع جبهة الانقاذ ، ل"توتسي" الاخوان ، الذين فازوا في انتخابات شرعية ولكن هذا الامر لم يعجب تحالف "الهوتو" داخل جبهة الانقاذ وبعض قادة الجيش ، فانقلبوا علي الشرعية ولم يكتفوا بهذا بل بدؤوا في اعتقال وقتل أنصار الشرعية في سلسلة مجازر حصدت قرابة 500 ضحية مصري حتي الأن ! وهي مجازر لم يرتكبها للاسف حتي الاحتلال البريطانى لمصر الذى استمر يحتل مصر ما يقرب من 70 عام وكانت اكبر مذبحتين له هما (مذبحة دنشواى) التي أعدم فيها أربعة مصريين عام 1906 ومذبحة (كوبرى عباس) التي قتل فيها ثلاثة طلاب وأصيب المئات ، بينما قتل مصريون يحكموا البلاد الان بقوة الانقلاب قرابة 500 مصري مثلهم فى خلال شهر واحد .. نصفهم فى مذبحتي الحرس الجمهورى ومجزرة المنصة !!. ومثلما بدأ (الهوتو) مجازرهم ضد (التوتسي) بالسيطرة علي الاعلام وضخ كمية هائلة من الأكاذيب لتشويه صورة خصومهم قبل الاجهاز عليهم بالسواطير والرصاص ، يفعل "هوتو" الانقلاب نفس الجريمة الان !!. تراهم يكذبون ويقولون : صاروخي جراد أخفاهما معتصمي رابعة العدوية (ليضربوا بهما الشرطة والجيش طبعا) (!).. أعضاء من تنظيم (القاعدة) انضموا لاعتصام ميدان النهضة (!)..سيارة محملة بالزجاجات لتصنيع قنابل المولوتوف تدخل رابعة (!) .. أسلحة رشاشة بيد بعض المعتصمين (!) .. غرف تعذيب وقتل داخل إعتصام رابعة .. أهالي رابعة يطالبون النائب العام بفض الاعتصام (!).. وهذه عينة من أكاذيب "إعلام رواندا" الذي مهد الطريق لقتل المعتصمين الرافضين للانقلاب العسكري أمام الرأي العام ولم يكلف نفسه نقل الحقائق من هناك ، واكبه للاسف تحريض أغبي من بعض من كنا نعتبرهم يوما سياسيين وعقلاء . فالقيادي الفاشل بجبهة الإنقاذ منير فخري عبد النور الذي تصور أنهم عينوه وزيرا للقتل في حكومة الانقلاب العسكري لا وزير الاقتصاد ، اقترح منع الطعام والشراب عن معتصمي رابعة تماما وحصارهم (كما فعل العدو الصهيوني مع أهل غزة) فيضطروا الي فض اعتصامهم تحت وطأة الجوع والعطش !!. ومن يسمي نفسه "الاديب علاء الأسواني يطالب بفض هذه الاعتصامات "غير القانونية" (أول مرة أسمع أن هناك اعتصام قانوني واخر غير قانوني !) ويتهم حكومة الانقلاب بالتراخي لعدم فضها الاعتصام .. بالقوة طبعا ! ناهيك عن دعوة صحفيين منهم مصطفي بكري لتكميم افواه الاعلام ، وإشادتهم بغلق سبعة قنوات فضائية (للتوتسي) ، ومطالبته أيضا بغلق قناة الجزيرة ومنع بثها علي القمر المصري لأنها الوحيدة التي تبث جرائم الانقلابيين ومذابحهم . وخرج أكثر من "عبده مشتاق" من أساتذة كليتي (الاقتصاد والعلوم السياسية) للحديث في إعلام رواندا الانقلابي عن (الطرق الديمقراطية لفض الاعتصام!) طمعا في منصب أو جاه ، ما جعل بعض شرفاء الكلية يسخرون من استغلال هؤلاء ل (العلوم السياسية) التي تعلموها في تبرير الانقلاب وتحويلها الي (العلوم السيسيه) وطالبوا بتغيير اسم كليتنا العتيدة الي "كلية الاقتصاد والعلوم السيسيه" !!. بعد مذبحة رواندا أخرج المخرج الأيرلندي (تيري جورج) فيلم رائع يسجد المأساة بعنوان (فندق رواندا) ويكشف بلا رتوش الدور الغربي في السماح بوقوع المذبحة وإسالة الدماء طالما أن الانقلاب والمجازر تحقق مصالحهم في المنطقة . وكان افضل مشهد يعبر عن هذا التآمر الغربي في الفيلم (ويعبر مجازا عن اعتصامي رابعة والنهضة) ، هو مشهد قائد القوات الدولية وهو يبلغ مدير الفندق الذي يعتصم به الهاربين الهوتو من مجازر التوتسي أملا في حماية الغرب لهم وإخراجهم سالمين : "إنهم – يقصد الغرب - لا يهتمون لشأنكم .. إنكم حثالة بالنسبة لهم لأن مصالحهم مع مرتكبي المجازر !؟" ، وذلك بعدما استبشر مدير الفندق بوصول قوات أوروبية وظن أنهم حضروا لوقف المذابح ففوجئ بأن لديهم أوامر بإنقاذ الأوروبيين (البيض) فقط ، ورفض إنقاذ أي شخص أسود !!. هذا الفيلم كشف علاقات الفساد بين قادة الجيش الرواندي وعصابات التجارة والمال ، وكيف أن هذه العصابات ، استفادت من الحرب في الإثراء بشكل فاحش ، كما كشف موقف الأممالمتحدة والغرب عموما وأثبت أنهم مجرمي الحرب الحقيقيين الذين أداروا المعركة من خلف الستار عبر دمي من العرائس هم عصابات الهوتو وبعض قادة الجيش الرواندي . للأسف .. الحلول التي يقدمها البعض الان لحل أزمة الانقلاب في مصر هي حلول "رواندية" علي حساب أصحاب الشرعية .. فهم يقترحون أن يذبح "هوتو" الانقلاب " توتسي" الاخوان ومؤيدي الشرعية لكي تنتهي المشكلة (!) .. وينسون أن القصاص من الانقلابيين ومنفذي هذه الجرائم ومحاكمتهم في محاكم جرائم حرب دولية كان هو النهاية المفرحة لهذه المأساة .. فهل يتعظ غيرهم أم سيكررون مذبحة رواندا ويقتلون مليون معتصم في رابعة والنهضة ليعلنوا انتصارهم المزيف ؟!