قديماً عُرف اليمنيون أنهم أهل حكمة وإيمان وحصافة، وظل اليمنيون بعقائدهم واعتقاداتهم ومعتقداتهم مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالسماء، وكانوا أقل شعوب وأمم الجزيرة العربية إشراكاً وعبادةً للأوثان، وبذلك ورثوا الخيرية الإيمانية التي شهد لهم بها رسولنا الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام، حيث قال: «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية». هكذا هم اليمانيون دائماً يختلفون ولكن سرعان ما يأتلفون، كلنا متفقون أنّ اليمن مرّت بمرحلة عصيبة، وأوضاع اقتصادية خانقة، وظروف اجتماعية متردّية عانى فيها الشعب ويلات الظلم والجوع، وانهارت كل عوامل الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، والأمن الغذائي.. وتفشّى الفساد والمحسوبية والأنانية والتسلُّط والاستبداد، واحتكار الحكم حتى دهمتنا المخاطر والمحن من كل فج عميق، مهدّدة الواقع السياسي، ومخلخلة الواقع الاجتماعي بمضاعفة واقع التخلُّف، والفوضى والمآسي الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد. إننا اليوم أمام توجُّهات حديثة على أعتاب مرحلة جديدة تفتح لنا آفاقاً من التجديد والتحديث والانطلاق نحو يمن جديد على مسار الحكم الرشيد، والانفتاح على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وهذا ما يتوافق مع الكينونة التاريخية والمكانة الحضارية المرموقة لليمن أرضاً وإنساناً ووحدة وهويةً وانتماءً. لا شك أن اليمن اليوم تضع قضية التحديث لكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كإطار لبناء الدولة الحضارية الحديثة التي يسود فيها العدل والحرية والمساواة والتكافل الاجتماعي والمواطنة المتساوية، وتتجاوز كافة أشكال الفوضى والفساد المالي والإداري والاختلالات الأمنية التي تهدّد الواقع السياسي والاجتماعي. لذا وجب علينا في المرحلة الراهنة والتاريخية أن نستحضر مقوّماتنا الروحية والتاريخية والحضارية والثقافية، وعودتها إلى مسارها الطبيعي لتكون أمة «الإيمان يمان والحكمة يمانية». والمؤسف حقاً: أن كثيراً من علمائنا وفقهائنا المتشدّدين بدلاً من أن يوحّدوا الرؤى ويقاربوا من مسافات الخلافات والاختلاف في بعض المسائل أياً كانت، يصبّون الزيت على النار بتوسيع وتفتيق الخلافات والصراعات. لذلك لابد أن يدرك الجميع أن مصلحة الوطن العليا تحتّم علينا جميعاً أن التمسّك بالحوار الجاد والمسؤول هو الطريق الآمن لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق، فالمرحلة جد خطيرة وتتطلّب توحيد الرؤى، وتكاتف الجهود ورص الصفوف وتعزيز المواقف الإيجابية المثمرة ترسيخاً وتجذيراً لقيم الولاء الوطني وإعلاءً لمصلحة الوطن العليا وأمنه الوطني والقومي والإقليمي والدولي، بعيداً عن المزايدات السياسية أو المصالح الآنية التي تعيق مسار بناء الدولة الحضارية الحديثة، دولة المؤسسات والحكم الرشيد، فالوطن أمانة في أعناقنا جميعاً. لذلك لابد أن نتجاوز كل التحدّيات والعراقيل التي تواجه تنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، فإن الواقع الراهن يستدعي ضرورة تقييم وتقويم كافة الأوضاع على الساحة اليمنية تقييماً وتقويماً علمياً وواقعياً لمواجهة كل السلبيات والتحدّيات ومراكز القوى الفاسدة التي أوصلت البلاد إلى مرحلة الانهيار واللا دولة. يا حكماء اليمن.. أنتم طوق لهذه الأمة المكلومة، والقشة التي قصمت ظهر البعير، إلى هنا يكفي، وكان الله في عونكم.