إن الوحدة اليمنية مع كونها مسلّمة وطنية وفريضة شرعية؛ فإنها لا يمكن أن تزدهر, ولا تصان على مجرد الشعارات العاطفية أو الأمنيات الحالمة وإنما على قواعد وأسس راسخة وضمانات قوية من التشريعات المقترنة بالسلوك والتطبيق يجمعها مفهوم “دولة المواطنة” التي تعبّر عن تطلُّعات كل مواطن يمني وتتجسّد فيها أهم المبادئ والقيم المشتركة لكل أبناء اليمن ومنها: يواجه مؤتمر الحوار الوطني المنتظر أخطر تحدٍ للحكمة اليمانية وأصعب امتحان لحكماء اليمن، يتوقّف عليه تقرير مصير الوطن ومستقبل.. فهل تنتصر الحكمة اليمانية ويجد اليمنيون نفَس الرحمن من قبل مؤتمر الحوار الوطني؟!. لقد كانت الحكمة اليمانية تتجلّى – غالباً - عند المحن والأزمات الكبرى في تاريخ اليمن قديمه وحديثه، وإن كان المؤرخون قد اهتموا بتفاصيل المحن والأزمات ولم يعنوا كثيراً بتوثيق الحلول والمعالجات التي كان اليمنيون يتجاوزون بها الأحداث الكبرى والمراحل العصيبة التي مرّت بهم، وهي بالتأكيد حقائق لا تنكر، إذ لو لم تكن كذلك لما شهد اليمن فترات الاستقرار والازدهار الحضاري في مراحل تاريخية مشهودة سجّلها القرآن الكريم، ولما كان له ذلك الدور العظيم في حمل رسالة الإسلام وتشييد حضارته الخالدة، شهد له بذلك سيد البشر صلى الله عليه وسلم: “الإيمان يمان والحكمة يمانية، وإني لأجد نفَس الرحمن من قبل اليمن ...إلخ” قد يرى البعض في ذلك شيئاً من المبالغة, وهو معذور، فالمحن والآلام هي التي تحفر بعمق في ذاكرة الشعوب والأجيال أكثر مما تسجله مراحل الرخاء والاستقرار, وقد تسهم عوامل كثيرة – داخلية وخارجية - في تشويه الجوانب المشرقة للذاكرة الوطنية والتشكيك في حقائقها، وإثارة الجوانب المظلمة والتهويل من حجمها بحيث تبدو وكأنها الأصل في حياة اليمنيين، وذلك أسوأ ما تعرّضت له الذاكرة التاريخية اليمنية. ومع ذلك فقد كانت ولاتزال (الحكمة اليمانية) حاضرة بهذا القدر أو ذاك في معظم الأحداث الوطنية بحيث تمثّل الملجأ الذي يلوذ به الجميع في الأخير. وأمام الأزمة السياسية المستحكمة اليوم، فإن الجميع في الداخل والخارج ينظرون إلى ما ستصنعه الحكمة اليمانية من خلال مؤتمر الحوار الوطني القادم، ولعل التفاؤل يغلب على المتابعين من المحيط العربي والمجتمع الدولي ربما بدرجة أكبر مما هو عليه عند بعض القيادات السياسية التي تدير اللعبة السياسية في هذه الأزمة، لكن جانب التفاؤل والثقة في الحكمة اليمانية لايزال يسود النسبة الغالبة من القاعدة الشعبية والطليعة الشبابية التي عبّرت عن تلك الثقة عملياً من خلال الحفاظ على وحدة الصف الوطني والالتزام بسلمية الثورة رغم جسامة التضحيات ووفرة السلاح ووطأة الفقر والبطالة. عام من المحنة والابتلاء بالخوف والجوع والمرض، كانت الثقة بالنفس التي صنعها شباب الساحات هي أقوى وأمضى أسلحة الصبر والصمود والاحتمال، جسّدها ذلك الاندفاع الشعبي في الانتخابات المبكّرة لرئيس الجمهورية الذي جاء بصورة تلقائية وقناعات وطنية صادقة ومجردة عن الحوافز والمغريات كما جرت العادة, وفشلت كل المعوقات والعراقيل أمام الإرادة الشعبية الواعية والقوية التي آمنت بوحدة المصير وبحتمية الانتصار، فكانت بحق صورة من صور الحكمة اليمانية. ومع استمرار المخاطر الحقيقية التي لاتزال تحيط بالوطن كله وتهدّد مسار الانتقال السلمي للسلطة وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، فإن الأنظار تتجّه اليوم نحو مؤتمر الحوار الوطني كآلية منقذة لليمن ولعملية التغيير السلمي ومشروع الدولة اليمنية الحديثة التي يحلم بها كل يمني، الدولة التي رسم معالمها شباب الثورة بدمائهم الزكية, وهتفوا لها في كل الساحات:(لا شمال ولا جنوب وحدتنا وحدة قلوب). وفي إطار الرؤى والتصورات لمحددات الحوار الوطني وأهدافه في ضوء حقائق التاريخ والثوابت الوطنية وأهداف ومبادئ الثورة اليمنية ومعطيات الثورة الشبابية الشعبية فإنه يمكن وضع رؤية أولية - من وجهة نظر شخصية - لأبرز محددات الحوار ومنطلقاته في الآتي: مفهوم الحوار الوطني: الحوار الوطني - وفقاً لمقتضيات الحكمة اليمانية - يمثّل ساحة وطنية مفتوحة لطرح كل القضايا والهموم الوطنية, يضم في إطاره نخبة من مفكّري اليمن وشخصياته الاجتماعية والعلمية والوطنية ممن يحملون على كواهلهم الهم الوطني, ويستشعرون واجبهم تجاه المخاطر الجسيمة التي تهدّد حاضر الوطن ومستقبله، لا يسعون إلى جاه أو سلطة وإنما يعملون لبناء وطن ودولة, وعلى أساس المفهوم السابق فإن أبرز محددات الحوار الوطني ومنطلقاته كما نتصوّرها تتمثّل في الآتي: أن ينطلق الحوار من قناعة وطنية تقوم على الإيمان بوحدة الانتماء الوطني إلى اليمن الأرض والإنسان والتاريخ والحضارة باعتباره القاسم المشترك بين كل أبناء اليمن وسد أي ثغرات يمكن أن تفتح الباب لإثارة سلبيات الماضي السياسي وأمراضه المتراكمة والتجرُّد من الرؤى الضيقة والأحادية والاملاءات الخارجية. الإيمان بضرورة المشاركة الفعلية من جميع مكونات المجتمع اليمني والإقرار بحق المشاركة للجميع وعدم الإقصاء أو التهميش لأية فئة أو شريحة تؤمن بالحوار طريقاً وحيداً لتجاوز الأزمة وتحقيق التغيير السلمي، عدا من ينتهج العنف والإرهاب وسيلة لفرض رؤيته بالقوة الحفاظ على الهوية اليمنية الواحدة والموحّدة (ببعديها العربي والإسلامي) التي جمعت كل أبناء اليمن في إطارها ووجد كل يمني ذاته فيها بإعادة وحدته العظيمة والتي يجب أن نجعل من كل مواطن يمني درعاً واقياً للدفاع عنها في مواجهة كل محاولات التمزيق والاختراق التي تستهدفها من الخارج أو الداخل. الالتزام بالمرجعيات التشريعية الوطنية - اتفاقية الوحدة، دستور الوحدة المستفتى عليه شعبياً، وثيقة العهد والاتفاق 1994م، والمرجعيات المشتركة الوطنية والإقليمية والدولية المتمثلة في المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية والقرارات الدولية التي تؤكد وحدة اليمن وسيادته واستقلاله - وهو ما يحتّم التمييز بين مفهوم الوحدة الوطنية كهوية وانتماء إلى اليمن الأرض والإنسان والتاريخ والحضارة, وبين مفهوم الدولة كصيغة سياسية ودستورية لنظام الحكم - دولة بسيطة أو مركبة - نظام رئاسي أو برلماني - حكم محلي - سلطة محلية - أقاليم - مخاليف - محافظات...إلخ). وبناءً على تلك المرجعيات وعدم جواز الربط بين الوحدة الوطنية كهوية وانتماء، وبين شكل النظام الدستوري لدولة الوحدة، فإن أطراف الحوار - أياً كان مستوى أو حجم المشاركين فيه - غير مفوّضين الخوض في أي حوار يمس الثوابت الوطنية الكبرى كالوحدة الوطنية, وأن مبدأ الشراكة الوطنية لا يجيز لأية شريحة بمفردها أن تقرّر مصير الوطن والشعب بأكمله دون أن يكون للأغلبية من الشعب حق الرأي والمشاركة؛ لأنه لا يمس تلك الفئة أو الشريحة وحدها وإنما يمس القيم العليا لكل أفراد الشعب وأجياله القادمة كما هو ميراث أجياله الماضية, ولذلك فإن الوحدة الوطنية لأي شعب تعتبر من المسلمات التي لا يملك أحد إقرارها أو إنكارها أو التراجع عنها, ولا تعد من القضايا التي تُطرح للحوار أو للاستفتاء العام, لا على المستوى الوطني ولا الإقليمي, وبالتالي فإن المطالبة بالانفصال لا تندرج تحت أي نصوص أو مبادئ وطنية أو دولية، كما أن أية مؤسسة سياسية أو دستورية في دولة من الدول لا تملك حق اتخاذ أي قرار يمس الوحدة الوطنية لشعبها وترابها الوطني؛ بل إن جميع النصوص الدستورية تعتبر أي تفريط أو مساس بسيادة الوطن واستقلاله أو وحدة أراضيه خيانة وطنية يعاقب عليها بأشد العقوبات, وقد جعلت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن المحافظة على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله سقفاً للحوار, ولذلك فإن معالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة لا يمكن أن يتأتي إلا من خلال رؤية وطنية شاملة، وهي الرؤية التي جسّدتها الثورة الشبابية الشعبية وحقّقت في عامها الأول بالإرادة الوطنية الواحدة والموحدة ما عجزت عنه الحركات الجهوية الانفرادية في سنوات. ولذلك فإن مؤتمر الحوار الوطني معنى بالبحث عن المستقبل المنشود لليمن واليمنيين؛ وليس التشبث بالماضي واجترار سلبياته وأمراضه, وأن يتّجه المتحاورون إلى الأخذ بكل متطلبات صنع المستقبل والتخلّي عن كل معوقات الماضي وإحباطاته، وإن كانت معالجة تلك الأمراض واستئصالها ضرورية لسلامة الجسد الوطني وتعافيه مما أصابه. ويأتي في مقدمة المعالجات مباشرة إجراءات العدالة الانتقالية بتعويض الإضرار التي نجمت عن الأزمات الماضية وانتهاكات حقوق الإنسان بصفة مستعجلة وملموسة، بحيث يشعر كل من أصيب بمظلمة أو ضرر أن حقه لم يهدر، باعتبار العدالة الانتقالية ركناً مهماً لتحقيق المصالحة الوطنية؛ بل إنهما يشكلان شرطين متلازمين لا يمكن تنفيذ أحدهما دون الآخر. احترام الإرادة الشعبية التي عبّرت عنها الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها من جميع الأطراف وفي مقدمتها الالتزامات التي تفرضها اللجنة الأمنية في وقف أعمال العنف وإعادة الأمن والاستقرار ومباشرة إجراءات هيكلة القوات المسلحة والأمن على أسس وطنية ومهنية باعتبار المؤسسة العسكرية صمام أمن الوطن ودرعه الواقي وضمانة مهمة لسلامة الكيان الوطني. استيعاب حقائق التحولات الوطنية الكبرى: استيعاب الأهداف الكبرى للشعب اليمني التي خرج من أجلها بكل مكوناته السياسية والاجتماعية وعلى مستوى الساحة الوطنية وقدّم في سبيلها التضحيات الجسيمة, وحقق من خلالها الإجماع الوطني لأول مرة في تاريخ اليمن المعاصر؛ بحيث التقى شباب الحراك السلمي والحركة الحوثية السلمية بكافة شرائح المجتمع اليمني وقواه السياسية ومنظمات المجتمع المدني في ملحمة وطنية كبرى أدهشت العالم وأبرزت عظمة الإنسان اليمني وأصالته الحضارية, وعبّر اليمنيون عن الأهداف الكبرى التي توحّدوا من أجلها المتمثلة في تحقيق حلم الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على التعددية والحريات السياسية والاجتماعية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان وتداول السلطة سلمياً وفصل السلطات واستقلالية القضاء وبناء الدولة على أساس دستور عصري، وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والبطالة والفقر وتكريس مفهوم المواطنة والمجتمع المدني. إن الصيغ السياسية الماضية لشكل نظام الحكم لم تعد تلبّي متطلبات التغيير وأهدافه الكبرى, فقد كانت وليدة توافقات سياسية لقوى معينة, ولم تكن نابعة من إرادة شعبية مستقلة, ولذلك فإنها تعبّر عن رؤى أحاديه وتجارب سياسية فاشلة لم تعد قابلة للتكرار, وأصبحت ثقافة ماضوية من وجهة نظر الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وتلك إحدى الحقائق الكبرى, أو بالأصح أهم الحقائق التي صنعتها الثورة على مستوى اليمن والوطن العربي وتفرض على جميع مكوّنات الحوار الوطني استيعابها حتى يكون حوارهم منتجاً ومعبّراً عن تطلّعات المجتمع اليمني. إن الرؤى الأحادية لأية جماعة سياسية أو قوة اجتماعية معينة لا يمكن أن تحقّق المشروع النهضوي الوطني المعبّر عن الإرادة الوطنية ما يوجب الحرص على تحقيق الشراكة الوطنية من خلال تفاعل رؤى جماعية قادرة على تحديد آفاق المشروع النهضوي ومضامينه، ذلك فإن حقائق التاريخ اليمني قديمه وحديثه تؤكد أن مراحل الازدهار الحضاري لليمن اقترنت بوحدته السياسية والجغرافية والاجتماعية وقيام الدولة العادلة المستمدة من إرادة الشعب والملتزمة بالشورى ومرجعية المؤسسات الممثلة للقاعدة الشعبية: (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة امراً حتى تشهدون) وإن مراحل الانكسار والانهيار الحضاري ارتبطت كلها بعوامل الظلم السياسي والاجتماعي والتسلُّط الفردي والحكم العصبوي المفضي إلى التمزُّق الداخلي ومن ثم السقوط في براثن الاحتلال والهيمنة الأجنبية. إن الدولة اليمنية الحديثة يجب أن تقوم على مبدأ الشرعية الدستورية وليس على شرعية الانقلاب والقوة, وأن تستمد هذه الشرعية من كافة فئات المجتمع عبر الطرق الدستورية والقانونية المنظمة لها وعلى أساس مبدأ التداول السلمي للسلطة ومبدأ سيادة القانون الذي يجب أن يعبّر في نفس الوقت من خلال وحدة القانون عن وحدة السيادة وعن وحدة الشعب والمواطنة المتساوية من خلال تطبيق قواعد دستورية وقانونية واحدة على كافة مواطني الدولة في جانبيه الحقوقي والإلزامي. من الأسس المهمة مبدأ سيادة الشعب بمفهومها الواسع والذي يعني أن السلطة تمارس الحكم نيابة عن الشعب اليمني بكل فئاته وقطاعاته ومناطقه كوحدة سياسية وجغرافية وسيادية واحدة, ويعتبر الاعتراف أن الشعب مالك السلطة وليس مجرد مصدر لها تأكيد حق الشعب كمالك للسلطة في نزعها ممن يكلفه القيام بها في أي وقت إذا ما أخلّ أو خالف شروط العقد بينه وبين الشعب. أن تستند الدولة اليمنية الحديثة على الإرادة الحرة لجميع المواطنين, وأن تكفل تحقيق المواطنة المتساوية, وعدم التمييز أو التفرقة بين أبناء المجتمع, وألا تمس بمقومات الوحدة الوطنية أو تضعف من الشعور بالولاء الوطني للدولة من جميع مواطنيها بما يضمن لها الحماية من أي اختراق قد يستهدف إضعافها أو تمزيقها. إن الأخذ بمبادئ الحكم الرشيد يقتضي عدم تكرار التشريعات السيئة التي تسوغ لاحتكار السلطة في يد حزب أو فرد, وتلك التي تحمي الفساد والفاسدين وتحول دون إخضاعهم إلى المساءلة الشعبية والقضائية والبرلمانية, أو تلك التي تجيز انتهاك حقوق الإنسان، ويأتي في مقدمة أسس الحكم الرشيد توزيع سلطات الدولة المركزية للحيلولة دون احتكارها في يد واحدة؛ وذلك من خلال توزيع سلطات الدولة على ثلاث مؤسسات رئيسة: “تشريعية – تنفيذية – قضائية” ثم وضع أسس دستورية لإقامة التوازن بين سلطات الدولة المركزية وبين السلطات المحلية بحيث لا تطغى السلطات المركزية على المحلية بما يحقق التنمية العادلة والمتوازنة بين المركز والأطراف، ويحقق المشاركة الشعبية الفعلية في الحكم عن طريق الاختيار الشعبي للحكّام في مؤسسات الحكم المركزية وسلطات الحكم المحلي. إن عدم الاستقرار التشريعي في اليمن كان أحد الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار السياسي وتكرار الأزمات والاحتقانات السياسية وتغييب دور الدولة “كمؤسسة” بسبب تركيز السلطة في يد رأس الدولة وعدم إخضاعه لمبدأ المسؤولية القانونية وغياب الممارسات الدستورية الحقيقية لمؤسسات الدولة, ولذلك فإن وضع ضمانات دستورية قوية تحمي النظام الدستوري الذي سيختاره ويقرّه الشعب اليمني وتحمي مؤسساته القائمة على الاختيار الشعبي وتحول دون السطو عليها أو انتهاكها أو التحايل عليها ضمانة أساسية لتحقيق الاستقرار السياسي وعدم تكرار الأزمات الكبرى. إن الشريعة الإسلامية كمرجعية حاكمة للتشريع في اليمن تحدّد القيم العليا والمبادئ الأساسية للتشريع (العدل والمساواة والحرية ومرجعية الأمة والحكم المدني بالشورى “الديمقراطية” كنظام متكامل للعلاقة بين الدولة والمجتمع في ظل الشريعة.... إلخ) ولكنها لا تلزمنا بتكرار أي من التجارب التاريخية أو الاجتهادات التفصيلية, فلكل مرحلة خصوصياتها (أنتم أدرى بشؤون دنياكم). إن شكل نظام الحكم من المصالح المرسلة التي تخضع لإرادة الأمة ومصالحها المعتبرة, وإن كل فكرة لا تتصادم مع الشريعة فهي منها ولا يجوز معارضتها باعتبار أن مصلحة الأمة الإسلامية إحدى قواعد الشريعة الإسلامية؛ بل من أهم أهداف الشريعة (حيثما تكون المصلحة فثم شرع الله). وبعد.. فقد مثّلت الثورة الشبابية الشعبية السلمية أعظم رد اعتبار للشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه ومناطقه أمام نفسه أولاً وأمام العالم ثانياً الذي أدرك أن الشعب اليمني ليس تلك التجمعات العشائرية المتخلّفة التي صوّرته الدعاية المضللة، تشدّه العصبية القبلية, وتحرّك الصراع والاقتتال بين أبنائه متطلبات الحياة البدائية وتصفه بالتطرف والعنف والإرهاب وكراهية الآخرين، فقد أبرزت الثورة الشبابية أروع ما في هذا الشعب من قيم حضارية وثقافية واجتماعية في أرقى درجات السلوك الحضاري والإنساني, فقد اختفت كل مظاهر الاختلاف وسقطت كل أسباب الانقسام والصراع الاجتماعي والسياسي والطائفي والقبلي لتحل محلّها صورة واحدة وموحدة تهتف بتغيير النظام وإنهاء الأوضاع الفاسدة والتحرُّر من سياسة القهر والإذلال وهي حقيقة ينبغي على الجميع استيعابها؛ إذ أنها قابلة للتكرار عند الضرورة، وإذا كانت الشعوب والأمم الحية لا تنتظر من أحد أن يرد لها اعتبارها؛ فإن ذلك لا يسقط حقها في الاعتذار لها ممن أساءوا إليها. تلك بعض محدّدات الحوار وليس كلها وهي مع ذلك وجهة نظر شخصية، قد يوافقني البعض عليها أو على بعضها، وحسبي أجر من اجتهد فأخطأ، وهي دعوة مخلصة لكل من يمسكون اليوم بخيوط الأزمة وبأيديهم مفاتيح التسوية أن يتقوا الله سبحانه في وطنهم ومستقبل أولادهم, وإلى كل من يحملون الهم الوطني على كواهلهم أن يزدادوا إيماناً بواجبهم الوطني الذي يعتبر اليوم (فرض عين) إذا لم يقم به القادرون عليه وقع الجميع في الإثم وسقط الوطن - لا سمح الله - في نفق مظلم لا يدرك له قرار (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً, إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) صدق الله العظيم “آل عمران الآية “8”.