عانى اليمن من مخاضات الأحداث كثيراً لأسباب وعوامل عديدة، وظل تحت الأعين مسرحاً للصراعات السياسية والطائفية، فما أن يتمهد ويتفتح طريق الخلاص حتى تتكالب عليه أطراف لاتتمنى استقراره. ولم تصنع تلك الأطراف أصابعها إلا كديناميت متفجر، ودمار شامل، وهكذا عانى اليمن داخلياً من موجات صراعات ووقع تحت خيوط ممتدة استعمارية مباشرة وغير مباشرة من خارج حدوده. من افتراضات الواقع السياسي أن تشارك الأحزاب السياسية في بناء الوطن، وأن تكون آيادى سبّاقة وتنافساً بنّاءً، ومروراً بمراحل الثورات التي تمخضت عن ثورتي 26سبتمبر،14أكتوبر وقفت الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها بين مقاوم للاستعمار الداخلي (الملكي السلطوي)، والاستعمار الخارجي (البريطاني) وبين أدوات استعمارية وإن بدأت عملها السري بفعل طبيعة المرحلة أو العلني في لزوم الأمر العلني لمقاومة الاستعمار. كان للوحدوي الناصري على مسار نشأته ومواقفه الوطنية الثابتة واصطفافه الدائم مع مطالب الناس المشروعة، وحماية الوطن وتحت مسمياته إلى أن تبلور في مساره التنظيمي (الطليعة العربية) و (التنظيم الطليعي). ساهم بفاعلية في قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر وسُلّم مراحلهما السابقة من واجهته الوطنية والقومية، وقدم تضحيات سجّلها التاريخ السياسي الوطني في نضاله وفي مساهمته في حرب التحرير والكفاح المسلح ضد بريطانيا والدفاع عن الثورة وأهدافها ضد مؤمرات الرجعية، ولم يشوب مساره النضالي (الدخن السياسي) و (المصلحة الحزبية) ولم يرتكز على نفوذٍ ما، إذ تسيج بمدنية حديثة، ورؤى وطنية خاصة. عمل على المشاركة الوطنية والعمل الفعلي الوحدوي للوطن في حواراته ومراحله المتعددة البانية لقيام لبنات الوحدة المجيدة وانطلق من وعيه الوطني والقومي التاريخي، والانفتاح على الفكر الانساني، وفي سبيل ذلك ظل رافضاً لكل أشكال الاقتتال بين فئات الوطن، ودعا إلى مبدأ الحوار في حل إشكاليات الخلاف، ففي حين حشدت بعض الأحزاب حربها في صيف94م والتي مازلنا نجني تراكمات سلبياتها، أعلن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري رؤيته الوطنية في رفض الحرب والانفصال، والتعاون على تشكيل الحركة الجماهيرية واللحمة الوطنية الواحدة، وعلى المسار السياسي رفض التعديلات الدستورية في 99م لإخلاء الدولة من مسئوليتها ودورها الاجتماعي والخدمي، ودعا إلى تكريس وترسيخ العملية الديمقراطية، وبناء الدولة المدنية الحديثة، والعمل المؤسسي، ومبادئ الإصلاح الوطني والسياسي، ولم يصطف يوماً مع أحد أطراف الصراعات بل جعل اصطفافه وطنياً خالصاً فوقوفه ضد حرب 94م هو رؤيته الرافضة للحروب الست في ابتدائها 2004 إلى آخر طلقة فيها. ومتى ما تبنّى الوطن مشاريع الإصلاح الوطني الشامل تجد التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في صفوفه الأولى لخدمة الوطن ولم يعتمد مطلقاً على فوهة بندقية، ومبدأ القوة، واستنزاف الحقوق، ولعب الأدوار والواجهة القبلية العصبوية، وتعدد الواجهات إذ اعتمد على دراسة القضايا الوطنية والأحداث بتأنٍ ورؤى بعيدة جاعلاً نصب رؤيته (الوطن والإنسان)، (هكذا أحب وطني وأحب كل مواطن فيه) كانت تجربته في الحكم من خلال الفترة الوجيزة ثلاث سنوات وأربعة أشهر مثالية أسّس للدولة المدنية الحديثة بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي التي (أي التجربة الوطنية) لم ترضِ أعداء الوطن فاغتالوا مشروعها الوطني، والمتأمل بإنصاف يجد أن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري الحزب الوحيد الذي لم يثلم جدار الوطن ولم يدميه أو يشارك في وأد تقدمه وبنائه أو قام بتفكيك وحدته بل كان حريصاً على وحدة الوطن وكان جداراً عازلاً لئلا تصيب الوطن مساوئ الأحداث، وكان ضحية حبّه لوطنه، فدفع الناصريون ثمناً باهظاً في إرادتهم الوطنية، مازال يقدم رؤيته الوطنية الثابتة، فقدّم مشروعاً للإصلاح الوطني الشامل الذي انطلق من (الحوار الوطني)، وله الدور الرئيس في قرارات وتوصيات ومخرجات الحوار الوطني في كل لجانه وبرز في أكثر المواقف ثباتاً ووطنية، وخبرة سياسية متمرّسة، وعلاقة وطنية بكل الأطراف الحزبية والمكونات المجتمعية، وحين غابت المصلحة الوطنية عن بعض الأحزاب في الحوارات والأحداث غابت عن التنظيم الوحدوي الناصري الذات المتمصلحة، وآثر الوطن على حزبه، إلا أن ما يُعاب عليه هو افتقاده للدور الإعلامي الجماهيري واعتماده على النخبة. ومازال الطريق الوطني الذي اختاره التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري مستمرّاً في وطنيته الخالصة وتوجّهه القومي. [email protected]