ونحت الانتفاضة الملتبسة نحو العنف، وبدأت قوافل الشباب تسقط تباعاً بين قتلى ومصابين ومختطفين؛ وبالتالي استقطبت هذه الحالة الدول ذات الاهتمام باليمن التي سارعت إلى احتواء الأطراف كلها وفي الصدارة احتواء الانتفاضة وتحويلها إلى نصوص في ورقة ليسهل مضغها وهضمها كما يهضم الارستقراطيون الشوكلاتة. وبتدافع الأحداث إلى الواجهة الإقليمية والدولية تمخّضت المحاولات بولادة مشوّهة المضمون والمعروفة الآن بصفقة التسوية السياسية بين الأطراف السياسية المأزومة “المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية”. لقد تم الالتفاف على خاصرة الانتفاضة الملتبسة وإجهاضها في وقت مبكّر من ولادتها وإعادة الأزمة السياسية إلى ما قبل فبراير 2011م وانفرد تحالف اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام بالعملية السياسية الجديدة. وبعد مراوغات وممانعات محسوبة وقّع في 23 نوفمبر 2011م علي عبدالله صالح على الصيغة الخامسة للمبادرة الخليجية التي في جوهرها قضت بتسليم رئاسة الجمهورية إلى نائب الرئيس وبتشكيل حكومة محاصصة نصفية برئاسة ممثّل عن اللقاء المشترك. وقسّمت المبادرة الخليجية إلى مرحلتين، الأولى تتضمّن: “أ” تشكيل حكومة بنسبة 50 % لكل طرف من أطراف التحالف السياسي الجديد. “ب” إقرار القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية لعلي عبدالله صالح ومن عملوا معه خلال فترة 33 سنة. “ج” نقل سلطة الرئيس السابق إلى نائبه. وهذه المرحلة، «أي ال 33 سنة» تحكي حكاية استبداد وفساد واستحواذ وإقصاء واستبعاد متوّج بإطلاق سراح المتهم المتهمون دون المساءلة حتى عن جرائم دموية. لقد عمدّت هذه المرحلة آثام الأنظمة الاستبدادية في المنطقة اليمنية؛ بل أعطت للبعض التحرك بأريحية لحياكة المؤامرات والاستمتاع بالأموال العامة والخاصة التي نهبوها خلال فترة نفوذهم الطويل الزمن، وهذه المرحلة خلت من النزاهة السياسية وخاصمت الحقوق العامة والحقوق الخاصة؛ بل أضافت أعباء معنوية على المعذّبين بإعادة تعيين البعض في مناصب قيادية حسّاسة في السلك المدني والعسكري الداخلي والخارجي. إنها المبادرة الصفقة التي لم تعر أي اهتمام لتراكم مظالم 26 27 مليون نسمة أوصلتهم الطغمة إلى حافة القبور المفتوحة والمزدحمة بجثامين الفقراء ووقود الحروب الجحيمية العبثية، والمرحلة الثانية ابتدأت من حيث توقّفت الأولى؛ وهي تجسيد للشمولية وتزييف الوعي البدوي والقبائلي وإظهارهما وكأنهما وعي مدني يقبل الآخر ويحترم الحقوق والحريات. لقد استمرأوا اختطاف خيالات الناس البسطاء الذين أعاقتهم سنوات البطش والطغيان وتزوير الانتخابات والسجلات المسمّاة “سجلات الانتخابات” التي كانت الفريسة السهلة لأجهزة النظام السابق والشخصيات الكرتونية التي صنعتها الطُغمة منذ 33 سنة. وخلقت المرحلة الأولى معضلة 6 سُلطات متنفّذة في الواقع متشاكلة فيما بينها، سلطتان رسميتان وأربع سُلطات شكّلت عوائق لاستفراد السُلطة الرسمية وجميعها تعيش على تناقضاتها وضعفها وقوتها وتتغذّى من خلال دول إقليمية ودولية وجدت في نُخب السُلطات الخمس الداخلية مرتعاً خصباً لشبكة مصالحها وميداناً مناسباً للاحتراب نيابة عنها..!!.