بإمكانك اليوم أن تجول في كل الفضائيات الإخبارية والمواقع الألكترونية ذات الصبغة الصحفية؛ فتجد هذا الوسط الإعلامي في حالة من الانحسار والنضوب على مستوى الآراء والتحليلات والوجوه – لاسيما الشبابية - التي كان الإعلام المرئي يزدحم بها بمختلف توجُّهاتها وتناقضاتها. يبدو الوضع أشبه بحالة هروب جماعي وانكفاء وتوارٍ رغب فيه الكل بفعل مسبّبات كثيرة؛ منها حالة السأم من تكرار الكلام في مرحلة سياسية/انتقالية لم نغادرها بعد, ومنها حالة الصدمة التي أوجدتها المآلات المفاجئة لمرحلة ما بعد الحوار الوطني الشامل والخاتمة المدهشة للمبادرة الخليجية. مجرد إطلالة الوجوه المتنوّعة على شاشات الفضائيات وحضور الآراء المتعدّدة في يوميات المشاهد اليمني يشعرك بالاستئناس والإحساس أن هناك الكثير ممن يرقب الحدث ويعيشه ويحاول وصفه والاجتهاد في تشريحه, ليبني عليه المشاهد/المتصفّح موقفًا. لكن اليوم أصبحت مشاهدتك للمحطة الإخبارية وهي تتناول أخبار اليمن مثل إصرارك على زيارة مسجد الجند في عصر «جمعة رجب» بعد أن انفض الجمع وخلا المسجد تمامًا من كل الأحياء إلا من مخلّفات الإقامة والمبيت والاكتظاظ المشهود, ففي هذا الحين يبدو المسجد/الوطن وحيدًا خاليًا من المحبّين, وقد ذهب المتكلّمون وذهب الخطباء وتقاعس القائمون عليه عن إغلاق بابه دون من يضمر له الشر؛ هكذا وجدتُ جامع الجند في ذات زيارة قبل أكثر من عشر سنوات, وهكذا أجد اليوم مظهر عاصمة إقليم الجند, وهكذا أيضًا أجد اليوم الإعلام المرئي في خضم هذه الأحداث. الكثير من الوجوه فضّلت أن تنسحب إلى عالم «الفيس بوك» حيث إمكانية التفريغ للمكبوت وحرية ممارسة الإقذاع بعيدًا عن مسؤولية المواقف الرسمية، وهناك من فضّل الصمت منذ بداية مرحلة التغيير في 2011م على الرغم من مجيء حكومة الوفاق, ومثل هؤلاء لايزالون على قناعة أن المرحلة ستظل مبهمة المعالم ضبابية المشهد حتى تعود اليمن إلى وضعها الطبيعي, وهذا يتطلّب بضع سنوات من الصبر/الصمت..!!. في حقيقة الأمر نحن أحوج ما نكون اليوم إلى الكلام بقدر حاجتنا إلى الأفعال؛ والسبب هو أننا اليوم في عالم مسكون بكثير من الغرائب التي نحتاج إلى معرفتها وتقريبها إلى الأذهان, ونحن في الوقت نفسه لانزال كائنات سياسية لا تعرف بعضها ولا تريد أن تتماهى مع بعضها تحت راية الوطن, لنزداد معرفةً ببعضنا، نحن على إصرار أن القوة لابد أن تلغي القوة, مع معرفتنا أن الثمن الحتمي لذلك هو إضعاف الوطن. وجود الصوت المعارض إلى جانب الصوت المؤيد وبوجوه متعدّدة ظاهرة صحية وإن كان أحدهما بالضرورة على خطأ, فالمهم أن يشعر المتلقّي/المشاهد أن هناك الكثير ممن يهمهم الوقوف أمام ما جرى ويجري من أحداث. بعض الأحيان تجد أن أكثر ما يثير حنقك ليس الحدث نفسه ولكن أن ترى من يتصدّرون المشهد ويصنعون أحداثه ليس لهم إلا تلك الوجوه المكرورة التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة وتصرُّ على التواجد في كل القنوات وفي كل المواقع، يمنطقون كل شيء أو يرفضون كل شيء، ويدّعون الفهم بكل شيء، بل أشد ما يبعث القرف أن تتذكّر أن خمسة أو ستة مقاولي تحليلات أو تصريحات هم من يتناوبون على عقل المشاهد/المتصفّح ويوجّه قناعاته, وهذا في اعتقادي كارثة لا تقلُّ شأنًا عن كثير من الكوارث التي تحدث اليوم. [email protected]