من ينظر في كل الديانات لا يجد ديناً أعطى العلم قدره مثل دين الإسلام، قدمه على كل ماعداه وبدأ أول رسالات الوحي الإلهي إلى الأرض على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى العلم «اقرأ»، ثم أقسم بالقلم، وجعلت القراءة باسم الله خالصة، ونسبت التعليم إلى الله الذي علم بالقلم، وورد لفظ العلم ومشتقاته في القرآن في «870» آية، بل ودعا الإسلام إلى كل العلوم ليس علم الدين فقط وكانت دعوة الإسلام إلى التعليم مرتبطة بالنظر في آفاق السماء والأرض، والتأمل والتدبر والتفكر، وإلى النظر إلى مبادئ الخلق وفي أحوال الأمم السابقة، وما أسست من حضارات، ودعا الإسلام إلى البرهان والحجة والتجربة وحث على الاجتهاد، وجعل له أجرين، بل وحرم التقليد، ودعا الإسلام إلى امتلاك العلم وكل أسباب القوة، والسيطرة على تلك الحياة، وإلى تملك مواردها ومقدراتها وإلى إنمائها وتحقيق حكمة الاستخلاف في الأرض وعمارتها، وأعلن أن العلم يزكو بالإنفاق، وأخذ الميثاق على الذين يعلمون أن يبينوا العلم للناس ولا يكتمونه، ودعا المسلمين إلى استعمال الحواس، وكل ذلك ظاهر بيّن في كتاب الله وسنة النبى محمد، لا ينكره أحد بل إن الآيات الساطعة والأحاديث الجامعة من كلام الله ورسوله تنطق بذلك من غير ريب ولاشك، ويعجز المجال أن نعدد الآيات والأحاديث في ذلك. ومن منطلق هذا الاتجاه القرآني الذي قدمه الإسلام للمسلمين انطلق الصحابة الأولون إلى فكرة القياس وهي أخطر فكرة في تاريخ الإنسانية، وليس هذا هو قياس أرسطو بل هو المنهج التجريبي في أعظم صوره، ووضع قواعد القياس وشرائط العلوم، قال الزركشي في البحر المحيط: إن الصحابة تكلموا في زمن النبي في العلل، ويقول ابن خلدون: إن كثيراً من الواقعات لم تتدرج في النصوص الثابتة، فقاسها الصحابة بما ثبت وألحقوها بما نص عليه بشروط منها تحقق المساواة بين المثلين حتى يغلب على الظن أن حكم الله فيها واحد، وصار ذلك دليلاً شرعياً بعد الكتاب والسنة والإجماع يأتي القياس، وقد تميز علم الإسلام بأنه حس – واقعي – تجريبي خال من عنصر الخيال وإنه ناقد؛ فقد كان الفكر الإسلامي ثمرة عملية تعد كبيرة وعملية تصفية للفكر السابق وتجديد وبناء استغرق قروناً زاهرة في حياة العقل في الإسلام.. وابتكر علماء الإسلام علوماً خاصة بهم فنجد جابر بن حيان في علم الكيمياء بمعناه الحديث، ووضع ابن الهيثم علم الضوء بمعناه الحديث، وكذلك جدد الثباني علم الفلك، كذلك نجد أن العلم في الإسلام صحح كثيراً من الأخطاء التي كانت قبل العلماء المسلمين، من ذلك ما كان شائعاً في الفلسفة اليونانية من صناعة التنجيم والقول بأن بعض الكواكب يجلب السعادة وبعضها يجلب النحس، فقال ابن حزم: زعم قوم أن الفلك والنجوم تعقل وأنها ترى وتسمع، وهي دعوى باطلة بلا برهان، وصحة الحكم أن النجوم لا تعقل أصلاً، وأن حركتها على رتبة واحدة لا تتبدل عنها، وهذه هي صفة الجماد الذي لا اختيار له، والواقع أن النجوم ليس لها تأثير في أعمالنا، ولا لها عقل تدبري، كذلك دعا القرآن الكريم إلى العلم وحث الإسلام على البحث، فالتمس المسلمون العلم عند كل أحد، فلما جمعوه لم يخضعهم بل أخضعوا العلم لمفاهيمهم ودرسوا في دائرة عقيدتهم، وألقوا عليه أضواء التوحيد وحرروه من زيف الوثنية والجمود ووضعوا ضوابط للعلم منها: 1 – عدم قبول الظن؛ ولا قول بغير دليل. 2 – أهمية نقل المصادر ودرجة الثقة فيمن ينقل العلم. 3 – قرر المسلمون أن العلم معرفة باستدلال، والاستدلال هو انتقال الذهن من معلوم (مقدمات) إلى مجهول (نتائج). 4 – جمع الفكر الإسلامي بين النظرة العقلية والممارسة العملية. 5 – دعا الإسلام إلى تعلم العلم خالصاً لوجه الله لا لمباهاة العلماء ولا لمجاراة السفهاء ولا ليتقرب به إلى وجه الناس. 6 – ربط العلم بالعمل؛ فلا فائدة من علم لا ينفع. 7 – لا يرد طالب إذا سأل، ولا يحجب العلم عن طالبه، وإذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أدري ولا يستحي، بل إن العلم خلق وتقوى، ولا يأخذ العالم رأي غيره وينسبه إلى نفسه وإنما يذكر مصدره. نسأل الله في عليائه أن يجعلنا من العالمين العاملين المخلصين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين. * عضو بعثة الأزهر في اليمن