في القرن السابع عشر قامت حرب كبرى في أراضي ألمانيا سُميت ب«حرب الثلاثين عاماً» وكان السبب الرئيسي لاندلاع الحرب صراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت «طائفتان من طوائف الديانة المسيحية» ويرى مؤرّخون أن ثمة قوى كانت تتنافس على حكم أوروبا كانت هي المحرّك والمُشعل الأساسي لهذه الحرب. في هذه الجغرافيا الحزينة التي نسمّيها "اليمن" تدور حروب ضارية على أكثر من جبهة وتحت أكثر من مسمّى، وتفرز هذه الصراعات تقدّماً لفريق في جبهة معيّنة وتراجعاً في جبهة أخرى، على هذه الجبهات تُسَجّل العديد من المشاهد الدامية لتصبح مادة يسجّلها المؤرّخون للأجيال القادمة ليؤسّسوا بها مظلوميات جديدة وثأراً جديداً وانتقاماً جديداً؛ وهذا بطبيعة الحال يقتل فكرة بناء الدولة التي أصبحت حلماً بعيداً في ظل تواطؤ حقيقي على تقويض ما تبقّى من الدولة. المواطن اليمني يعيش أسوأ أيامه ويتعرّض لابتزاز رخيص واستقطاب حاد من قبل تيارات لم يكن همّها يوماً بناء الدولة أو تنمية الوطن وتطوير المواطن، ونتائج هذا الاستقطاب مخيفة وكارثية فيما لو ظلّ عقلاء هذا البلد في سبات وصمت قاتل وظلّ الجانب الرسمي يقف موقف المتفرّج. الحرب ليس فيها منتصر، هذا منطق الحروب، وقد قيل إن أسوأ الحروب هي تلك التي تقوم على أساس ديني، ويجري في بلدنا الحزين الآن تأسيس حقيقي لحرب قد تطول، وأدوات هذه الحرب ليس السلاح فحسب بل الكلمة الخائنة والصحيفة والقناة، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ما يدمي القلب وينبئ عن تعميق أكثر للشرخ الحاصل في الوحدة الوطنية. قبل الحرب وبعد الحرب، قبل الألم وبعد الألم؛ لا حل إلا تحت فكرة بناء دولة المواطنة والقانون والمساواة، والعقلاء يدركون هذا جيداً ويعلمون أن طريقاً آخر غير هذا لا يعني إلا الإسراع في الذهاب إلى الهاوية والسقوط في أقذر مزابل التاريخ. ثمّة استفزازات متبادلة بين التيارات المتصارعة تجرح مشاعر المواطن اليمني تتمثّل في الهجوم على الرموز التاريخية والسياسية أو محاولة لتكميم الأفواه وتساعد هذه الاستفزازات على قتل فكرة التسامح والتعايش، وواجب العقلاء لجم ألسن وبنادق السفهاء قبل أن يتوسّع الجرح أكثر. سيقرأ البعض السطور السابقة، وسيصف المطالبة بدولة القانون بالمثالية الزائدة؛ وهي كذلك فعلاً في وطن مشحون بالمجانين وأمراء الحروب؛ إلا أن من تشغل باله وعقله فكرة بناء دولة المواطنة، دولة الجميع لا يمكن أن يرتمي في حضن جماعة مسلّحة نكاية بجماعة مسلّحة أخرى ليؤسّس حالات انتقام جديدة ولو على المدى البعيد. أيها الغرباء في هذا الوطن الحزين، أيها المهاجرون عنه، بلدنا يضيع من بين أيدينا، فهل يُعقل أن نقف موقف المتفرّج..؟! حزين جدّاً على هذا الواقع السيئ الذي فرضه السلاح والجهل، ورحمة الله على البردوني العظيم وهو القائل: يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمنِ [email protected]