من يتأمل مليًا في المشهد اليمني الراهن يصاب بحالة من الارتباك والحيرة ، تجعل مهمته في تحليل وتفكيك ما يجري على الساحة صعبة جداً مهما امتلك من خبرات في تفسير الظواهر السياسية وبراعة في قراءة فنجان المستقبل، وهو معذور في ذلك لأن هبوب رياح المصالح الإقليمية والدولية المتغيرة المزاج المتقلبة الاتجاهات أحدثت انقلابات جذرية في التحالفات والمواقف وأفرزت معها واقعاً لا يصدق أبداً وقل نظيره في لعبة السياسة وقواعدها المعمول بها عالمياً. تحالفات صيغت خلف الأبواب المغلقة وجعلت المستحيل ممكناً والممكن مستحيلاً، الخرافة يقيناً واليقين خرافة، أحداث تدفقت بفوضوية من كل جانب على الواقع المهشم أصلاً لنجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام مشهد بالغ الغموض والحيرة خاصة بعد احتكام الفرقاء إلى لغة البنادق واستراتيجية الخنادق في حسم النزاعات وفرض الرؤى والإرادات لذلك يخيم على الرأي العام جو مشحون بالتوجس والترقب لما يخبئ لهم الغد من مفاجآت قد لا تكون سارة في ظل الدماء التي تسفك بسخاء في أجزاء مهمة وحيوية في بعض المناطق ناهيك عن التأهب للنفخ في صور الاحتراب والاقتتال الداخلي تحت ذرائع ومبررات شتى، وهذا أمر مرفوض كون الاستجابة غير المحمودة لنفير الحرب تزيد من تهتك النسيج الوطني وتفسخ العلاقات الاجتماعية، وتنذر بقادم أكثر سوءاً و جنوناً ودموية، صحيح أن مواجهة الإرهاب بكل أشكاله وصوره قضية هامة تحظى بدعم شعبي كبير ولا خلاف عليها لكن في إطار الدولة ومؤسساتها الشرعية. لم يعد الوقت مواتياً و لا مطلوباً للدخول في ماراثون استعراضي لتأويل وتحليل الظواهر التي ألمّت بالساحة السياسية اليمنية وطبعتها بطابع غرائبي عجيب قد يعجز عن تفسيرها حتى « ابن سيرين » وربما عدها في كتابه الشهير لتفسير الأحلام ضرباً من « أضغاث الأحلام» لا يقوى على قراءة تراكيبها وفتح أسرارها سوى من تداعى لنسجها أو التواطؤ عليها من كهنة الأحزاب الذين ما خبروا شيئاً كما خبروا الزج بالوطن في أتون الصراعات والمكايدة التي تتزاوج وتتناسل بعضها من بعض بلا توقف أو سأم. إن الظرف الحرج الذي تمر به البلاد تتطلب تكاتف الجهود لتخطيها ولن يتم ذلك إلا بالإسراع في تنفيذ اتفاق السلم والشراكة دون إبطاء وعدم تأجيل الحلول والتصورات المتفق عليها في مخرجات الحوار الوطني الشامل قبل أن تتبخر في الهواء والانضواء تحت لواء الدولة والعمل الصادق على بسط نفوذها على كل شبر في اليمن فالحفاظ على بنية الدولة مهما بدت ضعيفة حفاظ على عمومية السلم الاجتماعي الذي لايزال مقبولاً ومرعياً وإن اعتراه بعض العورات والمثالب ويكفي إدراك أنه لولا ما تبقى من حضور الدولة لما تم حصر المواجهات المسلحة في مناطق محدودة ، لذلك أنصح المغامرين عدم الانجرار نحو تقويض العملية السياسية وتحاشي دروب ومسالك إسقاط الدولة التي لو سقطت لفقد الجميع شرعيته ولوجدوا أنفسهم طوعاً أو كرهاً حطباً لحرب لن يخبو لهيبها إلا بعد أن تأخذ مداها وتلتهم كل من شارك في إذكاء نيرانها...! وقد أعذر من أنذر. [email protected]