الوقت غير كافٍ .. سرقني الوقت.. أنا مشغول.. راجعني فيما بعد.. أتصل بي في وقت آخر.. كل هذه المفرات تستخدم من أجل تضييع الوقت.. لو أمعنا النظر قليلا لرأينا أن الوقت هو الشيء الوحيد الذي منحه الله سبحانه وتعالى للجميع بالتساوي، فنصيب الجميع من اليوم 24 ساعة غنياً كان أو فقيراً، طالباً كان أو موظفا.. لقد أندثر الوقت خلف أوهام نسجناها من خيالنا وجلسات القات التي تبني لنا كل شيء دون استغلال الوقت في حياتنا.. لكننا نحاول ونصر على أننا خلال جلساتنا المقيلية نصنع من الوقت المهدور ما يعجز عنه الآخرون .. فالمشكلة إذن تكمن في الأفراد وليس في الوقت، وبالتحديد في إدارة الأفراد للوقت. فإدارة الوقت أمر غاية في الأهمية لأنه أحد الوسائل أو ربما أهم الوسائل التي تمكن الإنسان من تحقيق أهدافه التي رسمها لنفسه.. الوقت صار مشكلة عند كل الناس، فلا تكاد تلتقي بأحد منهم إلا وجدته يشكو من ضيق الوقت... كان الظن أن الذين يشكون من ضيق الوقت هم فقط أولئك الذين ينغمسون في مهمات وواجبات كثيرة تفيض عما تحتمله ساعات يومهم، لكن الواقع يقول غير ذلك، في الواقع تجد أن كل أحد يصرخ متذمراً: (ما عندي وقت!!). ما الذي حدث للناس؟ لم صاروا منشغلين بهذه الصورة المزعجة، رغم أنهم لا يكاد يظهر لهم نتاج يذكر في مقابل كل هذه الشكوى من ضيق الوقت؟ فمؤسسات العمل تفيض بأجانب كثيرين يعملون نيابة عنهم، والأسواق تفيض بالمستورد من كل أنواع احتياجاتهم الاستهلاكية، فمن أو ما الذي يقضم ساعات يومهم؟ إن نظرة سريعة متفحصة لما يقوم به غالبية الناس في كل يوم من أيامهم، تؤكد لنا أن العمل بريء من دم وقتهم، العمل لا يبتلع من الوقت سوى ما كان حقا مشروعا له، إن لم يكن أقل مما هو حق له، إذن أين يذهب الوقت؟ وفي أي رقبة يجب أن يعلق الناس دم وقتهم المهدور؟ المتهمون كثر، ونظرات الريبة وأصابع الاتهام تتجه إلى طواحين الوقت الحديثة التي جاءت بها مخترعات هذا العصر، فهي تظل تتقافز أمام الناس خلال ساعات يومهم، كل منها يطالب بنصيبه منها، مثل تويتر، والواتساب والانستاقرام والفضائيات ومحادثات التليفون الصوتية والمرئية عبر سكايب والفيس تايم، ومجمعات التسوق والمقاهي والمطاعم، وزحمة الطرق، وبعد المسافات من مكان لآخر، كل هذه طواحين للوقت ابتكرها العصر الحديث ليعصر بها نهار وليل الناس فما يعود لديهم متسع وقت لفعل شيء آخر. هذه المشاغل الجديدة الطارئة على حياة الناس في أيامنا هذه، لم يكن أسلافهم يعرفونها في زمنهم الماضي وربما لذلك عاشوا في سلام مع الوقت، بل كانوا طربين بما يتدفق بين أيديهم من غزارة الساعات في الليل والنهار يحارون كيف يقضونها، فتوفر عندهم وقت لبر الوالدين، وللقراءة والذكر، وللنوم الكافي، وللتواصل الاجتماعي، فكان حظهم أن ظلوا يذكرون بالخير، وحظ أحفادهم الوصم بالجفاء والقطيعة، وما كان ذنبهم وإنما هو ذنب الزمان الذي غير ثيابه فتغيرت سمات أهله تبعا لها.... [email protected]