لم يعد أمر أن تجد من يتعصّب لفئة حدّ التضحية بنفسه في زمن الانفتاح على منتوج الآخر غريباً.. ويعود مردّه وببساطة شديدة إلى أن زمن الانفتاح على الآخر وقع في حاضرنا ولكنّه لم يصل إلينا! الفيسبوك وُجد لتفعيل الحوار مع الآخر حواراً بنّاءً يوطّد عزائم البشرية نحو الارتقاء بمنتوجها الحضاري والفكري وإيجاد لغة ثقافية مشتركة همّهما إكساب الانسان مكانة أرقى من مكانة الكهوف والانغلاق والتجمّد. الفضاء المرئي وبأكثر من ألف قناة يقدّم كل يوم وساعة ودقيقة وثانية مشهداً أو لقطة لبلدان تُعمر كدافع للحذو وأخرى تُهدم كدافع للتجنّب. الصحف والمجلات والكتب تشهد تطوّرات باذخة على مستوى الطباعة والمضمون والشكل.. تقدم معالجات ذكية لمشكلات الانسان وخاصة المتخلّف، ويتلخّص المتخلّف برأي في أنه الشخص الذي يتعصّب لفكرة أو عقيدة أو ملة أو شخص أو تمثال لا فرق حد الاستعداد لإراقة دماء البشرية قاطبة! كل ذلك يصل وبكميات تكفي لغسل دماغ مليار مواطن في ظرف سنة، ولكنّ ذلك لم يحدث مطلقاً مع بعض البشر في اليمن.. فما زلوا يتخندقون ضمن عصبوية قاتلة تتبدّى قذارتها في توظيف الفيسبوك خارج نطاق ما كرّس لأجله.. يُقاتلون باسم فلان في زمن يُقدّم فيه الاعلام المرئي في كل دقيقة وساعة وثانية نماذج للكوارث التي تتسبّب بها العصبوية على المجتمع كلّه وليس على الفرد المتعصّب! يُحرقون كل مطبوعة وصحيفة تقدّم فكراً إنسانياً حاوياً للمعاني النبيلة للانسانية الواحدة.. تصادر كل كتاب يقدّم لهم علوماً ومعارف تنتهي بأن العامل المشترك بين البشرية هو الحمض النووي ولا فضل لآدمي على آخر إلاّ بمقدار ما يقدّمه لمجتمعه من سلوكيات راقية وصنائع جلية. لقد انفتحوا على الآخر فعلياً.. استوردوا الكمبيوتر واستقبلوا منتجات الانترنت.. استوردوا الأقمار اللاطقة واستقبلوا المئات من القنوات.. استوردوا الكتب والمطبوعات. ولأن الانفتاح على الآخر في عرف من يؤمن حد التضحية بكل ما حوله بالمثل القائل: الغرسة لا تخرج من أرضها إلاّ ميتة وظفوا كل تلك المنتجات الداعية إِلَى انسانية واحدة تمقت القتل لحساب الحياة وتدين العنصرية لحساب المساواة.. تُحارب الضلالة لحساب الهداية، وظفوها لصالح إحياء غرستهم العصبوية جداً وإِلَى حد لا يُطاق. يباغتك سؤال يفاجئك من جهة كونية غامضة..وإن تم إخراج هذه الغرسة العصبوية من أرضيتها المضمّخة بالقذارة هل ستتسّبب في موت صاحبها؟ لا إجابة مؤكدة.. فإجابة من مثل الاستفادة من قدرة الآخر في تجاوز تلكم العقد الاجتماعية مرفوضة لأسباب عقائدية واجتماعية وغير مضمونة النتائج، وإجابة من مثل البحث عن بدائل محلية تؤدي الغرض، لا تكشف سوى عن بدائل ترتدي في الظاهر لبس الزهد والسلام والمحبة والرقي، ولكنها في الباطن تقدّم جسداً ملغماً بالمتفجرات ومكسوّاً بدمامل العصبوية والمناطقية والطبقية والعنصرية.. أمّا إجابة عائمة غامضة من مثل دع السؤال كما جاء من تلك الجهة الغامضة في الكون يواصل سيره إِلَى جهة غير معلومة مضيعاً أحرفه في الفضاء ممكن مضغها، على الأقل حالياً، بدعوى إن السؤال كما العصبوي الطبقي بالضبط يسير إِلَى جهة غامضة مضحّياً هو الآخر بنفسه! [email protected]