الراحمون يرحمهم الرحمن.. والرحمة هنا جملة من القيم الفضيلة والنبيلة والسلوك الصواب والهادف لزرع الخير والألفة والمحبة والتعاون بين الناس.. كما أنها مصدّة لكل نوازع وبذور الشر والخلاف والشقاق. وكم نحن اليوم وفي واقعنا الأليم أشد حاجة إلى أن نكون رحماء لأنفسنا أولاً وللغير ثانياً وللوطن ثالثاً.. أن نرحم أنفسنا بإنصافها من أدران الخوف والهزيمة والابتعاد عن نوازع الشر التي فرضها علينا هذا الواقع المر والأليم.. فمن واجب الرحمة على أنفسنا وذاتنا أن نجنبها المزيد من حالات القلق وأن نسير بها في اتجاه الأمان والاستقرار وهذا يعني أن نبدأ أولاً بمحاسبة أنفسنا كل في الأسباب التي آل إليه و أقصد من ثم البحث والتقييم لمسئولياتنا وواجباتنا في تسيير شئون حياتنا وتشخيص مكامن الداء والبدء فوراً بتنفيذ فاتورة الدواء. وأعتقد جازماً أن تحقيق ذلك صار من أولويات وضرورات الرحمة، كوننا إذا رحمنا أنفسنا من ظلم ذاتنا حينها يمكن أن نصل إلى مكانة الراحمين، والراحمون الذين يرحمهم الرحمن. الراحمون هم في الأساس بلسم الحياة الآمنة والمستقرة.. الراحمون هم من يقيمون دعائم العدل الذي ينتصر للضعيف من القوي وللمظلوم من الظالم، الراحمون هم من يرحمون أنفسهم إذا تمكنوا من الحيلولة دون ولوجها في الظلم ومساره.. الراحمون هم من يحرصون على أن تعم السكينة ويترسخ الأمن وتتربّع طمأنينة الناس بيومهم ومستقبلهم على ما عداها، الراحمون هم من يغرسون في حياة الناس وواقعهم بذور الأمانة والأمن من كل مكروه أو مُقلق أو مُخيف أو مُرعب. الحديث الشريف: ( الراحمون يرحمهم الرحمن) يمثّل موسوعة من سلوكيات القيم والأعمال والممارسات النيرة والخيرة.. فإن تزرع بذورها في الواقع فإنك تدرك تمام الادراك أنك مخلوق حسن ونعني بالحسن هنا الأعمال والأفعال والأقوال الطيبة والمفيدة والراشدة إلى السلوك القويم.. والله أورد في محكم كتابه العزيز {ورحمة الله قريب من المحسنين} صدق الله العظيم. ومن هنا يتضح لنا أن أي عمل حسن أو نوايا حسنة فإنهما يؤديان إلى خير الفرد وخير الجماعة وكذا خير الأمة. ومن خلال ما أسلفنا نود أن نؤكد على حاجتنا لمن تنطبق عليه صفات الراحمين.. لأننا افتقدنا لتلك الصفات في ظل انتشار جرائم القتل.. وجرائم السرقات وجرائم التقطعات، وجرائم إلحاق الضرر لا بالفرد فحسب وإنما في المجتمعات، صرنا اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة ماسة للراحمين، والرحيمات. في مجتمعنا الذي تتجاذبه الأهواء والأمزجة والمصالح الذاتية والضيقة.. وذابت في دهاليزها صحوة الضمير وتلاشت قيم الخير. إن مجتمعنا اليمني اليوم بحاجة ماسة للرحماء.. “الراحمون يرحمهم الرحمن” علّهم بصفاتهم الأقدر على انتشال الأمة من واقعها الأليم.. وانقاذها من الوجهة المفروضة عليها نحو المجهول.. ولا يساورنا هنا شك في أن الراحمين موجودون ولهم في الواقع صولات وجولات نسأل الله العلي القدير أن يعجّل بثمارها كونها الحكمة.. التي سيقيضها الله لخلاص مجتمعنا وبلادنا من سوء الحال.. فمن الرحمة هنا أن تُزال كل العوائق التي تضر ولا تفيد، تدمر ولا تبني.. تخرّب ولا تعمر، تخيف ولا تؤمن، ترعب ولا تهدئ. ومن الرحمة أن ينبري حكماء الأمة وعلماؤها ومراجعها وشيوخها وقادتها إلى موقف سواء وكلمة سواء ومعالجة سوية تقود إلى إزاحة الظلم عن واقع الأمة والخطر عن الوطن، وإذا ما فعلوا ذلك فهم رحماء وتطالهم رحمة الله. نتمنى من الله العلي القدير أن يقيّظ لهذه الأمة ولهذا الوطن رحماء فاعلين.. وأن لا يكونوا كما ورد في الحديث: «كثيرون ولكن كغثاء السيل».. والسيل المعني به ما يوصف بالطهافة التي تطفو على سيول الأمطار.. أو طهافة الحليب عند فورانه. اللهم نسألك أن توفق كل ذي رأي وبصيرة ورؤى وفكر إلى طريق وجادة الراحمين.. وأن يكونوا بما سيحققوه للأمة والوطن ممن تشملهم رحمتك يارب. اللهم آمين.. فإذا ما رحمت نفسك لا شك ستفرض عليك رحمة غيرك ورحمة وطنك المهدّد بالمزيد من الأخطار والتمزّق.