الإخوة الوزراء الستة والثلاثون في الحكومة الجديدة: نتمنى لكم التوفيق ونأمل أن تُسهم كل النخب اليمنية في مختلف الجهات والمناشط والاهتمامات في دعمكم وتيسير أعمالكم, فليس لنا سوى أن نتفاءل بقدومكم وإن كان الجو أكثر قتامة.. ولكن تعلمون أنكم أمام الشعب مجموعة من الكفاءات الوطنية جرى اختيارها على هذا الأساس وليس غيره, وأنتم بذلك تمثّلون الجماهير, ولا تمثّلون أطرافاً سياسية ولا نخباً متنافسة على الهيمنة, وهذا يعني أنكم حكومة من نوع مغاير تماماً لما كان سائداً, الأمر الذي يقتضي منكم ضرورة الاختلاف في التفكير والأداء وأنتم تمارسون المهام الوطنية التي شاءت الأقدار أن تكونوا أنتم لا غيركم من يقوم بها ويحمل على عاتقه همّ الملايين من البشر لا من الأموال والعياذ بالله!. لماذا المطلوب اختلاف في التفكير والأداء؟ لأنك أولاً أيها الوزير الجديد لست مديناً لأي حزب في اختيارك بحيث تكون ممثّلاً له ونائباً عنه تظل ملتزماً بمواقفه وحريصاً على خدمة مصالحه والتمكين له بوصفك في الوزارة على ثغر من الثغور, فتظل حذراً أن تأتي الهزيمة من موقع أنت فيه.. لست كذلك أيها الوزير الجديد, وإنما أنت مدين لكفاءاتك ومهنيتك فهما السبب في اختيارك وإن أوحى إليك من تم تكليفه للتواصل معك أو لتهنئتك أنه ناضل وأصر على رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية أن تكون حاضراً في التشكيلة, وأن الحكومة بدونك لا معنى لها. كونوا أكثر عقلانية, وأيقنوا أن هذه الأوهام لا ينبغي أن تقع فيها كفاءات تحمل في عقولها هموماً وطنية ومشاريع حالمة, فكم من وزير سابق أوهم نفسه وأوهمه من حوله أنه أكرم من غيره وأعز, وأن الشعب وقيادته السياسية يخطبون ودّه في تعيينه بهذا المنصب؛ لأنه وحيد عصره ولأن غيره لا يستطيع أن يقوم بمثل ما يقوم به, ولأن الوزارة بدونه ستقفل الأبواب.. هذه (خفة عقل) وقع فيها الكثير ممن استوزرهم الشعب, وطويت صفحاتهم ومحت الريح أطلالهم؛ لأنهم ظلّوا يبيعون الوهم, فلم يتركوا آثاراً إيجابية يتذكّرهم بها الناس بعد مغادرتهم. فعليك إذن أن تتذكّر أيها الوزير الجديد أن الوطن قد يكون فقيراً في الثروة والموارد, ولكنه ليس فقيراً في الكفاءات, وهناك الكثير من أمثالك في القدرة والحنكة والكاريزما.. غير أن المسؤولية أُلقيت عليك وحدك في فرصة منحت لكم – مثلما ستمنح لآخرين يأتون بعدك - ليرى الوطن ماذا أنت صانع, وهل أنت ممن يصرّ على أن يصبح معلماً شامخاً عبر الزمن يتردّد اسمه على الأفواه, أم أنك ممن لا يريد سوى أن يصبح أطلالاً على الرمال تمحوها الريح أو يجرفها السيل؟!. أعلم أيها الوزير أنك اليوم جديد وغداً تكون قديماً، فاعمل على ما يبقيك في عيون الناس ذهباً خالصاً لا يصدأ ولا يتغيّر لونه مهما طال به الزمان. كفاءاتك ومهنيتك هما السبب في اختيارك, وإن ظل الإعلام أو من حولك يردّدون أنك تحمل خلفية سياسية معينة, أو هوىً سياسياً لجهة ترى نفسك أكثر تعاطفاً معها, فأنت تظل قيمة وطنية محايدة حالك حال القيم الإنسانية مثل الكرم لا يكون محموداً إلا إذا كان سلوكاً وسطياً محايداً بين طرفين مذمومين, فإذا انجذب نحو الأسفل أصبح بخلاً, وإن انحرف نحو الأعلى أصبح إسرافاً, وكلا الطرفين سيئ, فهكذا هي فلسفة القيم في حياتنا, ولتكن هي فلسفتك في العمل الوزاري. وأن تكون في حكومة كفاءات فهذا يعني أيها الوزير الجديد أن فشلك مردود عليك وحدك, ونجاحك محسوب لك وحدك, إذ ليس لديك غطاء سياسي بقدرات إعلامية مهمتها عقلنة كل ما تقوم به ولو كان كارثياً.. إن غطاءك هو وضوحك وشفافيتك ونزاهتك وموضوعيتك, فكن صارماً وواضحاً مع الشعب في اطلاعه على كل ما يواجهك من مصاعب أو عراقيل تحول دون تحقيق النجاح الذي تريد الوصول إليه.. نعم أنت في موقع المسؤولية وتمثّل الوطن, ولكن الإفراط في المواقف الدبلوماسية يعني طمراً متواصلاً للحقيقة, فإذا لسعتك عقرب فبإمكانك أن تكتم الألم, وتبتسم وأنت تتعرّق, ولكن يصبح من الغباء أن تسمح للعقرب بأن تلدغك مرةً أخرى وأنت تواصل المراوغة, لأن المؤمن لا يُلدغ من جحر من مرتين. صحيح أن الواقع أكثر تعقيداً وأن الأزمات تراكم بعضها فوق بعض, ولكن ليس من الصحيح أن تتعايش مع المشكلات والأزمات بحجة أن حلولها فوق الطاقة, أو تختصر الطريق بحلول آنية تجعلك أمام من حولك داهية من دهاة العرب تجيد التخدير والإقناع.. فالتكيّف مع المشكلات يجعلك في حكم العدم, وممارسة الألاعيب والخِدَع البصرية لا تنطلي على الأذكياء.. ولذلك فليس لك سوى أن تكون جاداً وأن تصمّم على إيجاد الحلول وتنفيذها لتعيش مرتاح الضمير. [email protected]