بديهي أن كل إنسان في مجتمعه له دوره، له حقوق وعليه واجبات، فالفرد لبنة من هذا المجتمع الذي يعيش فيه، فإن لم يكن هذا الفرد فعّالاً في مجتمعه وعالة عليه لا يستحق أن يعيش في مجتمعه ينعم بأرضه وهدوئه ويأكل من خيره. فالأطباء إذا رأوا عضواً فاسداً في اليدين فإنهم يقومون ببتره حتى لا ينغص العيش على بقية البدن. فهل المسلم هو هذا العضو الذي لا يؤثر في مجتمعه ولا يتأثر به؟ لا إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: «لا يكن أحدكم إمعة».. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى بناء الشخصية السوية السليمة. وإليك نموذج من القرآن ساقه الله عزّ وجل لإجراء مقارنة بين الفرد الايجابي والآخر السلبي عديم النفع والفائدة في المجتمع. قال تعالى: “وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأتِ بخير” والسلبي هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم؟. من المحال أن يستوي هذا الايجابي بالآخر السلبي، هل يستوي رجل دعا إلى هدى، أو ترك للناس علماً. أو اكتشف شيئاً في مجالات الفضاء أو قدم للناس دواء في مجال الطب أو غيرها مع رجل مات كما وُلد، دفن سيرته وحياته ربما وهو حي بين الناس. فإن أمتنا في واقعها الحالي تحتاج إلى هذه الشخصية، تحتاج من كل فرد فيها إلى أن يقدم شيئاً لبناء وطنه، هذا الأديب يساعد الناس ويشحذ هممهم بكتاباته، وهذا العالم يقدم للناس علمه في طب أو هندسة أو في أي مجال من مجالات الحياة. فتأمل وادي النمل كيف يعمل وكيف يتحرّك، وانظر إلى خلية النحل في ترتيبها وفي عملها وفي حركتها وإذا أردنا أن نعمل وسنعمل ونتعلم، إجلس إلى ملك الخلية، ودقق النظر وتأمل هل تجد فيها عضواً كسولا؟ً. هل تجد في الخلية نحلةتنحّت جانباً عند زميلاتها لتشاهد أعمالهم؟. لا، وألف لا، فهل سيأتي يوم على أمتنا لتكون كخلية النحل كلٌّ يؤدي عمله بحب لوطنه وتفانٍ فيه، ينفق عمله لله عزّ وجل أولاً وولاءً لوطنه ثانياً ياأمتنا أين أنتِ من خلية النحل؟، وعليه لا يحتقر الإنسان عمله مهما كان العمل في نظره صغيراً أو قليلاً، فلا يستطيع الطبيب الحاذق الماهر أن يقوم بإجراء عملية إلا بمساعدة الممرضين وهم أقل منه ولا يستطيع كلاهما أن يؤدي عملاً جيداً إلا بعد أن يقوم العمال بتطهير المكان وتنظيفه، فتأمل فتأمل توقف عمل الطبيب على غيره، وتلك صورة مصغرة من المجتمع.. وتأمل قصة هذا الرجل ففيها من العبرة ما يكفي ليقوم الرجال والنساء والأطفال بتشييد المجتمعات وبناء الأوطان. قال الله عزّ وجل : “واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون”.. الآيات. يُحكى أن رجلاً من قرية إنطاكية أرسل الله إلى قريته رسولين وقيل إن الذي أرسل الرسولين هو عيسى عليه السلام، فكذّب أصحاب القرية هذين الرسولين، فأرسل لهم رسول ثالث ليعزّز موقفهما ويشد من أزرهما، فقوبل الرسل الثلاثة بالتكذيب ،فوجد هذا الرجل الذي معنا بطل قصتنا وفارس الحلبة أن يقوم بالنصح والإرشاد لقومه وأن يكون سبباً في هدايتهم. فيا ترى هل هذا الرجل كان قائداً في قومه أو زعيماً أو رئيساً؟،لا، لم يكن الرجل شيئاً من هذا، بل كان إسكافياً يخيط الأحذية، لم يقل من أنا، لأغيّر المجتمع؟ أو ماهي وظيفتي؟، أو... أو....!! أتى الرجل يسعى ويهرول من أقصى القرية ليأخذ بيد قومه إلى الهدى والرشاد، فقابله قومه بالعناد والتكذيب. ثم قتلوه. فما كان جزاء هذه الفعالية وهذه الايجابية من هذا الرجل الضعيف؟. قال الله على لسانه: «ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.. فياليتنا كلّنا هذا الرجل. * عضو البعثة الأزهرية لدى اليمن.