جسّد الجمهور اليمني المساند لمنتخبنا الوطني الأول لكرة القدم فى خليجي 22 بالمملكة العربية السعودية , أروع الدروس في معنى وأهمية تعزيز الهوية الوطنية بين مختلف فئات وشرائح المجتمع اليمني, من خلال حضوره المشرف ووقوفه صفاً واحداً لمؤازرة المنتخب في كل مبارياته بهذه البطولة . لقد أثبت أبناء هذا الوطن في الغربة أن حب الوطن والانتماء له يسري في دمائهم من خلال تدافعهم من كل حدب وصوب داخل المملكة لدعم وتشجيع المنتخب الوطني, وحماسهم الشديد وهتافاتهم الرائعة من على مدرجات استاد الملك فهد الدولي بالرياض بحب اليمن ورفعهم لعلم اليمن الموحد فوق رؤوسهم وعلى أعناقهم , بعيداً عن الولاءات والانتماءات الحزبية او المناطقية او المذهبية الضيقة , فشكلوا بتكاتفهم وهتافاتهم على المدرجات أعظم وأبدع لوحة فى حب الوطن والانتماء له, أذهلت المشاهدين والمراقبين والمشاركين والمعلقين والمحللين الرياضيين فى هذه الدورة، والذين أجمعوا في كلماتهم وتعليقاتهم وحواراتهم على أن الجمهور اليمني كان الحدث الأبرز والمفاجأة الرائعة والعلامة المميزة في خليجي 22، بل إن بعض المحللين أشار إلى أن الجمهور اليمني بذاك الحضور والحماس لم يكن هدفهم الأساسي تشجيع مباراة في كرة القدم, وإنما كان لهم هدفهم الضمني وهو توجيه دروس للقوى السياسية في الداخل , في معنى حب الوطن والانتماء له , فقد وجدوا أنفسهم في موقع من عليهم التعبير عن هذا الهدف لتعزيز الهوية والوطنية وترميمها، لأن هذه الهوية لم يسبق أن عانت من الهشاشة المهددة بالتشظيات كما هو حالها اليوم. فالجماهير اليمنية هي من أرادت لحضورها وتفاعلها أن يحمل معنى سياسياً، ضد كل الأعمال التي تستهدف الهوية الوطنية والحداثة والسلم الأهلي. وفي كل مرة تظهر أعمال من هذا النوع إلى السطح، فإن «اليمني الذي لا يقبل بالهزيمة» يبتكر لنفسه موقعاً يستطيع من خلاله إعادة الاعتبار للهوية الوطنية وأيضا للحياة. لقد وجه أبناء وطننا الحبيب في المملكة العربية السعودية دروساً عظيمة لمختلف القوى السياسية في الداخل في معاني الهوية الوطنية التي اختفت من قلوب وعقول وسلوك الكثير منا كأفراد وجماعات في هذا الوطن .. الهوية الوطنية التي تعنى ان نعمل معاً من أجل هذا الوطن , وأن نصون دماء أبناء هذا الوطن , ونحرص على عدم إراقتها , وأن نقف صفاً واحداً في مواجهة كل من تسول له نفسه الاعتداء على حرمة دماء اليمنيين , وتهديد أمن ووحدة واستقرار هذا الوطن، وتعزيز الهوية الوطنية يتحقق عندما يشعر كل مواطن منا بأهمية دوره في بناء هذا الوطن وتنميته والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره , وعندما يخرج كل منا من عباءته الفكرية والمذهبية والحزبية والمناطقية ليحتمي بحمى الوطن ، ويسعى من أجل تحقيق مصلحة الوطن العليا وكل أبناء الوطن , بعيداً عن أي مصالح شخصية أو حزبية أو مذهبية أو فكرية أو مناطقية ضيقة . وختاماً يمكنني القول: إن على جميع القوى السياسية في الداخل أن تستفيد جيداً من دورس جماهير منتخبنا الوطني في خليجي 22 , فتعمل على تعزيز هويتها الوطنية، ونبذ الخلافات فيما بينها, والعمل بروح الفريق الواحد من أجل الوطن , وأن تضع مصلحة الوطن العليا فوق مصالحها الحزبية والسياسية الضيقة , وعلى كل فرد منا مهما كان مركزه ومجاله وطبيعة عمله يعيش على تراب هذا الوطن ويستظل بسمائه أن يدرك جيداً أن الأوطان بأبنائها وأن الإنسان لا يكبر إلا بإكباره لوطنه ، ولا عزة ولا كرامة له إلاّ بعزة وكرامة وطنه، وأنه لا سبيل لتطور هذا الوطن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء والانتماء له .. فالوطن هو الكيان الذي نحتمي به، وهو الأرض التي ولدنا ونشأنا وترعرعنا على تربته ، وفيه نحيا ومن أجله نموت ، وإن الله استخلفنا على هذه الأرض لنعمرها ونبنيها ونشيد عليها مداميك الخير والنماء ونصونها بولائنا المطلق من أي تخريب أو استهداف، وإن من يخلدون بأعمالهم هم أولئك البارون بأوطانهم المخلصون لشعبهم المتوخون في أعمالهم الدنيوية ليس فترة وجودهم فيها، ولكن يعملون للأجيال القادمة.. مقدمين حبهم وولاءهم لوطنهم على أية مصالح دنيوية زائلة. عندئذ ستكون الهوية الوطنية العنوان الأبرز والأسبق لكل العناوين. *أستاذ التسويق المشارك / جامعة تعز [email protected]