الأحداث المتلاحقة خلال الفترة الزمنية منذ قيام الثورة الشبابية السلمية حتى يومنا هذا لا تمثّل مجريات طبيعية لمشاهد كان من المتوقع حدوثها وإنما ترسم توجّهاً آخر لم يكن بحسبان المواطن ولا على بال المترقّب لنتائج المشهد الثوري؛ لأن ما حدث ومازال يحدث هو سلسلة من تصفية الحسابات تتحرّك في نطاق سياسي لقوى ومراكز نفوذ ولاتتجاوز حدود دائرة الانتقام، وطبعاً هذا مؤشر خطير يقود إلى التنبؤ بعدم الاستقرار لفترة طويلة؛ لأن صراع الأيديولوجيات عندما يتخذ له مسميات طائفية وقبلية لايؤمن بالحسابات الزمنية بقدر ما يهتم بالنتائج المحققة على حساب الخصم. الخطورة في تحليل كهذا تكمن في ثقل المراكز المتصارعة فكينونة القبيلة تتوارث الثأر، وكينونة الطائفية تتوارث العنصرية، وما بين الثأر والعنصرية يتلاشى عنصر الزمن الذي يمثّل عمر شعب بالكامل تصبح طموحاته المشروعة ببناء الدولة المدنية الحديثة في خبر لن يكون وليس في خبر كان؛ لأنه وُجد في بلد يغيب فيه القانون في حضرة «الشيخ والسيد»، ويموت فيه النظام فداءً لهما أيضاً. إذن نحن نسكن دائرة انتقام لن تنتهي حلقاتها، بل تتوارث كثقافة واجبة الاتباع، وليس هناك مجال لتجاوز أطراف الصراع؛ لأنهم يمثّلون الشعب كأغلبية عصفت بأقلية النُخب المثقفة المتطلّعة إلى ترسيخ مفاهيم العدالة والمواطنة، ويمثّلون الجغرافيا باتساعهم في أرجاء وطن بسطوا على أراضيه بمنطق القوة وباستغلال الدعم من المستفيدين من تعطيل الحكومة عن دورها الوظيفي في سلطاتها الثلاث. بقايا حبر بين شهقة الحياة وزفير الموت كائن يرتدي الوحشية بصورية الرحمة نسمّيه «إنساناً»، وبين دهشة الشروق وفزع الغروب أرض لا تتسع للأحلام بمجازية الاحتياج، نناديه وطناً. [email protected]