نؤمن جميعاً مواطنين ومسؤولين أن الفساد هو رأس الأفعى وأساس كل الاختلالات والمشاكل والصعوبات التي تواجهنا في مختلف جوانب الحياة، ونؤمن أيضاً أنه ودون القضاء على آفة الفساد المتغلغل في مختلف المؤسسات والجهات وتجفيف منابعه أو على الأقل تقليصه والحد من آثاره المدمّرة؛ لا يمكن أن نحقّق أية نهضة اقتصادية أو تعليمية أو صحية أو تنموية، كما لا يمكننا إصلاح أي اختلالات في هيئات الدولة ومؤسّساتها المالية والإدارية والخدمية والأمنية مهما حاولنا ذلك. ومع ذلك ورغم هذا الإجماع الرسمي والشعبي لمكافحة الفساد واستئصاله؛ ومع وجود العديد من الجهات الرسمية والشعبية المعنية بمكافحة الفساد بدءاً من الهيئة الوطنية العليا مروراً بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابة الأموال العامة وغير ذلك من الجهات الرقابية الأخرى المتواجدة في كل مرفق لمراقبة مدى الانضباط المالي والإداري وانتهاءً بهيئة الشفافية والنزاهة ولجان المناقصات والمزايدات والعديد من المنظمات المدنية؛ رغم كل هذا إلا أن الفساد لايزال يشقُّ طريقه ومستمر في نخر هيكل الدولة وينفش أطنابه في مؤسّسات الدولة بكل ثبات وطمأنينة؛ بل زاد عتواً ونفوراً خلال السنوات الماضية. وأصبح من يمارس الفساد المالي والإداري أكثر جُرأة ومزاجية، ويرى أن نهب المال العام حق من حقوقه المكتسبة، وأن الرشوة والمحسوبية هما الأساس لإنجاز أية معاملة وضرورة لحصول المواطن على حقوقه المشروعة؛ وهذا هو المعمول به في مختلف المؤسّسات بما فيها أجهزة العدالة التي يعوّل عليه محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم، وهو ما يضع أكثر من علامة استفهام حول جدّية وفاعلية الآلية المتبعة في مكافحة الفساد والتي تنتهي بإحالة الفاسدين إلى القضاء. ولا أجزم هنا أن العاملين في منظومة العدالة فاسدون، وأنا على يقين أن القضاء يزخر بالشرفاء والنزيهين والوطنيين، ولكن مادمنا قد أجمعنا على أن الفساد منظومة متكاملة ولم يعد محصوراً بأشخاص أو جهات، ومادام معالي الأخ خالد بحّاح، رئيس الوزراء قد قال وبوضوح إن الفساد هو المشكلة الأكبر التي تواجهه، فعليه أيضاً أن يضع برنامجاً متكاملاً لمكافحته وتطهير مؤسّسات الدولة من الفاسدين. وعليه أن يدرك أن المعركة ضد الفساد لا تقلّ أهمية عن المعركة ضد الإرهاب، وهو ما يحتّم على الجميع وخصوصاً الإعلاميين أن يكونوا شركاء فاعلين مع الحكومة في محاربة الفساد، وألا يقف الدور عند حدود التذكير بأضرار الفساد ومخاطره في كتاباتنا فقط وإنما أيضاً وهو الأهم التعهُّد أمام أنفسنا ألا نمارس أي نوع من أنواع الفساد المالي والإداري مهما كان بسيطاً ونكون القدوة لغيرنا؛ وإلا سنكون كما قال الشاعر: لا تنهِ عن خُلقٍ وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم