كانت السماء صافية ومؤنسة، والقمر في قمة بهائه ، أبيض يوزع ضوءه على القرية المنسجمة والأطفال الذين خرجوا إلى «مردع» الشعب القريبة ...يلعبون لعبتهم المفضلة لعبة«العير» توزعوا فريقين متقابلين ، كان أحمد أصغرهم، يتسابق الفريقان لضمه إليهم، فهو رشيق ماهر مراوغ بجسمه النحيل، وهذه صفات لاعب«العير».. اللاعب في هذه اللعبة عليه أن يمر بين الصف المدافع دون أن تمسه يد ليحقق الهدف وعندما يتجاوزهم ويتجاوز الخط المحدد يصيح«حاااالي» وهو هنا إعلان لهدف لعبة«العير» الرشيقة التي انقرضت. وعندما كان الأطفال منهمكين في اللعب بأغانيهم الحماسية «الليل ياله هو ياله ، تروح روح هو ياله ، عسل بضاحة هو ياله ، خلي الفلاحة ،هو ياله» ..صرخ بهم صارخ: « قامت القيامة» لم تكن القيامة في مخيلة أحمد الطفل الذي انتبه وزملاؤه للصوت الذي يقول: القيامة شتقوم وروحوا عند أمهاتكم.. أنظروا إلى السماء. نظرة إلى السماء كانت كافية لتدخل الرعب في نفوس الكبار مابالك الأطفال .. ياللهول السماء تجري بسرعة فائقة ومرعبة والقمر الذي كان مصدر أنس يجري كطفل مفزوع من ثعبان والنجوم أيضاً كقطعان ماعز تفر من الذئاب تكاد تسقط على رؤوسهم. كان الأطفال يصرخون، بعضهم لم يستطع أن يتحرك من مكانه والبعض الآخر جرى شبه عارٍ، لأن بعضهم يخلع بعض ثيابه أثناء اللعب ..أحمد كان مفزوعا يكاد قلبه يتوقف وهويلهث ويتصور القيامة وأخبارها التي كان يسمعها من الفقيه، وكيف تخر السماء وتدك الجبال.. يجري وهو يدعو «يارب أنا حميسك لاتقوم القيامة إلا وأنا عند أمي». السماء هدأت وبدا القمر واقفاً كأنه يهدئ من روع أحمد وزملائه، والنجوم بدأت ترقص بأشعتها خفوتاً وظهوراً وكأنها تلاعب الأطفال وتعتذر لهم .. هدأت نفس أحمد بعد أن عرف أن السحابة هي التي كانت تجري وليس القمر والنجوم . كانت هناك خدعة استغلت صورة جريان السحابة بسرعة لترمي هذه الشائعة المرعبة التي تسببت بجروح نفسية للأطفال صاحبت بعضهم حتى الكبر. لقد هدأت السماء وتأجل قيام القيامة، لكن القرية لم تهدأ ،لقد بدأ الهرج والمرج ونار اشتعلت في القرية ولم تنطفئ . تدحرجت المقولة مع صراخ الأطفال وفزعت الأمهات والآباء وتعددت الأقاويل عن حقيقة الحادثة، كل مقولة كانت تشعل بيتاً وفتنة وتقيم مأتماً وعويلا.. ما الذي جرى؟.. قال بعضهم: إن ابن سعيد عبده «دهف عمداً» ابن محمد أحمد إلى السائلة ومات ، صرخت زوجة محمد أحمد وبناتها ليقوم الأب على الفجيعة ويأخذ بندقه الجرمل وغضبه ليوجه رصاص البندق إلى بيت سعيد عبده . كان سعيد عبده يهدئ الناس لأنه الوحيد الذي يعرف الحقيقة، فبيته بجانب ملعب الصغار وهو من أطلق شائعة القيامة بهدف تفريق الأطفال لينام لا أقل ولا أكثر ..وفي هذه الأثناء جاءه خبر أن رصاصة من بندق محمد أحمد اخترقت شباك بيته لتستقر في قلب بنته الوحيدة«سلمى»لتبدأ قصة ثأر طويلة حولت القرية إلى جحيم وثارات لاتتوقف.. لقد قامت القيامة على القرية دون أن يعرف أحد السبب سوى سعيد عبده الذي تشرد وفقد بنته وابنيه ودفع أثماناً باهظة كغيره من الأسر بفعل الحروب والثارات التي خلقت أسباباً وأحداثاً لاتنتهي ...كل لديه سببه الخاص ماعدا الحقيقة. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر