مريوم المجذوبة كانت نموذجاً خاصاً من البشر .. تنساب مع أنينها الداخلي، ولا يُسمع لها صوت إلا في ظلمات الليالي الحالكة.. صوتها المسائي الرخيم الصادح ينساب من وراء الجدران، وهي تتحدث إلى زوج غائب لا وجود له. كان لها بيتان من نهار وليل.. بيت النهار شيَّدته على مساحة رملية داخلية مفتوحة على السماء.. مسيَّج بقطع من بقايا الحديد والقصدير التي ظلَّت تجمعها من قارعة الطريق سنين طوال، ودون كلل وملل.. لتقوم برفع بيت الأحلام الذي لا تنام فيه البتة!.. منتصباً في مكان ناءٍ من الحارة، حتى بدا كسراب بقيعة بعيدة .. هنالك حيث تسطع الشمس يومياً ليُرى بيت القصدير البعيد كما لو أنه وهج يشتعل من مسافة المدى الرملي الساحر. بيت الليل كان مأواها في قلب الحارة، ولم يكن بيت ليلها الافتراضي ذاك، سوى قارب خشبي صغير متهالك ومتروك لرمال التعرية .. قابع على مقربة من بيت “حمد الصامت”، بل ملتصق بجداره الخلفي كأي قطعة مهملة من سقط المتاع. كان بطن القارب المتهالك مأواها المسائي اليومي.. وكانت ليالي بياتها في القارب مفعمة بالأنا العاشقة لزوجها الافتراضي.. الغائب الحاضر. لم يعرف أحد أن لها زوجاً، ولم يرها أحد مع رجل، ولم يدر بخلد أحد أن مريوم جاءت من عالم الزوجية، فالأصل في صورتها ونمط حياتها أنها لا تنتمي لمكان وزمان وإنسان. لكن هذه الثوابت الذهنية العامة تتكسَّر ليلياً عندما يسمعون أحاديثها المسائية المفعمة بالعبارات المثيرة، وهي تناجي الرجل الغائب قائلةً: خلاص أنا تعبت.. لم أعد استطيع الاستمرار في التعاطي معك .. أووه ياحبيبي .. خلاص اكتفينا.. أشتي أنام.. وهكذا تظل تكرر مثل تلك العبارات الموشاة بإيحاءات جنسية، ترتسم كصور ناطقة في أذهان النسوة اللائي يُصخن السمع ويستمتعن بالصورة الذهنية لمريوم الغائبة في سُكر المواضعة العاصفة مع ذلك الفحل الذي لا يكل ولا يمل من ....!. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر