يعود الجدل مجدّداً إلى الواجهة بين مؤيدي الاحتفال بالمولد النبوي والمحرّمين له في تكريس لحالة الانقسام والتشرذم التي يعيشها المجتمع الإسلامي. مؤيدو الاحتفال يعتبرون المولد النبوي مناسبة عظيمة يجب الاحتفال بها تكريماً لرسولنا الأعظم وتبجيلاً لسيرته العطرة وتقديساً لقيمه ومبادئه السامية التي اتسم بها وكان لها التأثير الكبير في ترسيخ دعائم الإسلام وانتشاره في أصقاع الأرض. فيما ينظر الرافضون للاحتفال بالمولد النبوي بأنه بدعة ولا أساس له في السنّة، كما يعتبرون الاحتفال تشويهاً للدين الإسلامي ومبالغة في تمجيد النبي وإيصاله إلى درجة التأليه..!!. موقفان متعارضان لطرفين يوحّدهما الإيمان بالرسول الكريم وتفرّقهم العصبية والمذهبية التي حذّر منها نبينا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. وصلت حالة الفُرقة والشتات بين المسلمين اليوم إلى الاختلاف حول قضايا لا يجب أن تكون مثار خلاف أصلاً، فما الضرر من الاحتفال بالمولد النبوي مادام هذا الاحتفال لا يتعارض مع النصوص الشرعية وهدفه التذكير بهذا اليوم الذي مثّل نقطة تحوّل في التاريخ الإنساني وكان إيذاناً ببزوغ فجر جديد تسود فيه قيم العدل والمساواة والمحبّة والتآخي والسلام. أليس الأولى أن يتخذ من هذه المناسبة فرصة لتوحيد كلمة المسلمين ونبذ كل صور الفُرقة والشتات بينهم والاقتداء بالنبي الذي وحّد الأمة وجمع كلمتها تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأسقط كل صور التعصُّب والتطرُّف والغلو وهو نبي الرحمة المهداة إلى الناس كافة والذي جاء ليرفع من قيم الإنسان ويشذّب أخلاقه..؟!. تعلّمنا من السيرة النبوية المحمدية الشريفة التعامل الإنساني حتى مع غير المسلمين، فلا عنف ولا تطرُّف ولا تعصُّب ولا إرهاب، ومن شذّ؛ شذّ في النار. فما بالنا اليوم نتناسى تعاليم الإسلام الحقيقية ونبتعد عن القيم والسلوكيات التي حثّنا النبي عليه أفضل الصلاة والسلام على التمسُّك بها ونكثر من الجدل والخلاف في مثل هذه القضية وغيرها..؟!. إن من يحّرم الاحتفال بالمولد النبوي لا يستند إلى أي أساس شرعي وإنما من باب التشدُّد والتطرُّف والغلو، ومن يتابع سيرة الصحابة والتابعين سيجد أن هذا اليوم شكّل مناسبة خاصة في قلوبهم وهو بحد ذاته احتفاء بأي شكل من الأشكال سواء بالذكر في المساجد أم في الميادين والساحات أو عبر إلقاء المحاضرات والدروس لاستلهام العبر العظيمة التي نحن في أمسّ الحاجة إليها اليوم. قد أختلف من وجهة نظري مع من يحرّم الاحتفال بهذه المناسبة من منطلق أن ما يتم خلال هذه الاحتفالات من قراءة القرآن والتهليل وقراءة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، والتنافس في مدح الرسول ليس جرماً يستحق مرتكبوه القتل وليس مبرّراً للتهديد بسفك الدماء ونسف أماكن الاحتفالات بالسيارات المفخّخة والأحزمة الناسفة. تستدعينا هذه المناسبة لتكريس قيم المحبّة والتسامح ونبذ كل صور وأشكال العصبية والغلو والحقد والكراهية، كما تستدعينا إلى تقييم علاقات المسلمين بعضهم بعضاً والتعرُّف على مكامن الخلل التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من خلاف وفُرقة وتشرذم وشتات. وإن كان هناك من خلاف في وجهات النظر حول الاحتفال بالمولد النبوي من عدمه؛ فعلى العلماء أن يديروا الخلاف في إطاره الشرعي بعيداً عن العنف والتطرُّف. ويبقى التذكير أن محمداً النبي الإنسان جاء ليوحّد الأمة لا ليفرّقها، ويجمع لا يشتّت، ويرسي دعائم المحبّة والتآخي والسلام لا ليزرع الشقاق والكراهية والأحقاد بين المسلمين. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر