جبلت الأنظمة المختلفةفي الوطن العربي، بوجه عام، واليمنية بوجه خاص، في أن لا تتذكر العديد من أبنائها المناضلين الذين قدموا لأوطانهم زهرات عمرهم، وعزة قوتهم وشبابهم أن لا تتذكرهم، أو الثناء عليهم إلا عقب وفاتهم وانتقالهم إلى رحمة الله تعالى، ولا ضير في هذا التقليد، أو انتقاص، وإنما في تقديري أن الأولى والأجدر، والمفيد بهذا الأمر في أننا لو كرمنا أمثال هؤلاء الأفذاذ واعترفنا بتضحياتهم النبيلة وهم على قيد الحياة لكان اجدى وأقدر من تكريمهم بعد وفاتهم. فالتكريم لأمثال هؤلاء الجنود المجهولين يكون له معنى آخر وتقليد أعمق للذاكرة الوطنية. فبالأمس القريب كنا نتجاذب أطراف الحديث عن واحد من هؤلاء المناضلين الذين أفنوا شبابهم وزهرة عمرهم في سبيل رفعة وعزة وكرامة وطنهم وأمتهم، إنه الأخ صالح عبدالله الحبشي هذا الرجل الذي عرفته شوارع عدن، والمعلا وشوارع صنعاء قبل وبعد قيام ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، عرفه الكثيرون ناشطاً ومناضلاً ومثيراً ببزوغ فجر جديد لليمن بشطريه وليس هذا وحسب بل إن مصر وسوريا كانتا قد تعرفتا عليه إبان شبابه وحيويته المتفجرة إيماناً بحق المواطن العربي في أن يحيا حياة حرة كريمة عزيزة.. وبمرور السنين والأيام طويت تلك السنوات المجيدة لتبرز على ساحة الوطن العربي بكامله قوى متغولة طغت على كبرى الهامات بداخل الوطن وخارجه ولتفرض على شعوب هذا العالم المشغول بصراعاته القبلية وبكافة أمراضه الاجتماعية والخرافية الخ.. فإذا كانت أنظمة الحكم العربية، كما أسلفت لا تتذكر ضحايا الوطن إلا بعد فوات الأوان، فعلى هيئات ومنظمات المجتمع المدني أن تتفادى هذا المسلك الخاطئ وتعيد النظر في مسالك الأنظمة. وتبادر لإعطاء أولئك المناضلين المجهولين الذين تناستهم أنظمة الحكم لإعطائهم ما يستحقون من تكريم وعرفاناً بما قدموه من تضحيات ومعاناة، وملاحقات ومطاردات من قبل عَسْس الليل والنهار، وأنا لا أعني بما سلف ذكره من منحهم العطاءات والهبات المادية كما قد يتبادر إلى ذهن من تعود والف تلك الهبات وإنما هدفي تكريم أمثال هؤلاء تكريماً معنوياً ليس إلا عرفاناً وتقديراً لتلك التضحيات الجسام التي قدمت من أناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولم يكن في حسبانهم أو قرارات نفوسهم أي شيء من أطماع هذه الدنيا الدنية أو شهوة أقران الحجاج ومسالكه الوحشية الدامية للوصول إلى الحكم، والهيمنة على رقاب الناس؟ وبالمناسبة فإن نسيت فلن أنسى من أن ألفت نظر قارئي العزيز من أن المذكور في مقالي المتواضع هذا هو من شريحة حقوقية وبعبارة أوضح شريحة المحامين وخريج كلية الحقوق.. علاوة إلى ما يتمتع به من أخلاق وثقافة عالية ومن أسرة لها مكانتها ودورها البارز في النضال الوطني، ولعلنا قد سمعنا أو عرفنا الكثير عن شقيقة المناضل. شيخان الحبشي الذي كانت له صولات وجولات في مناهضة سلطات الاحتلال البريطاني في جنوب الوطن وكيف أنه قد تعرض للاعتقالات والنفي في عدن في بداية خمسينيات القرن المنصرم، وهناك العديد من المناضلين الذين لا تسعفني ذاكرتي لإيراد أسمائهم بهذه العجالة وحسبي أنني بهذه الهمسة المتواضعة قد أوصلتها إلى الإخوة الأعزاء بكافة الأحزاب والتنظيمات السياسية لعمل ما يمكنهم عمله بهذا الصدد من الالتفات لإخوانهم ورفاقهم. الأحياء والأموات على حد سواء إلا أنني قد قصدت من وراء طرحي في هذا إكرام من هم على قيد الحياة حتى يفارقونا وهم راضون عنا وهذا على أقل تقدير يكون أقل الواجبات التي يمكن أن نقدمها لهم، وفي نفس الوقت نكون بذلك قد استطعنا إحياء وبعث بعض قيم الوفاء والنضال ليستفيد منها جيلنا من شباب اليوم الذين هم أحوج ما يكونون إلى العبر والعظات ممن سبقوهم سيما وإننا اليوم في زمن من أردأ أنواع الأزمنة التي اختلطت فيه الكثير من الأوراق والقيم والمعاني، وعليه فلا بد من التأكيد لشبابنا من المزيد من الثبات والصمود، على قيم الوطنية والقومية والتعددية والعدالة الاجتماعية والقبول بالآخر شريطة قول الشاعر العربي اللبناني: ما دمت محترماً حقي فأنت أخي آمنت بالله أم آمنت بالحجر.أو كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:(الدين المعاملة ) احترم حقي بهذا الوطن وحقي بكافة التشريعات والقوانين السياسية والاقتصادية التي أجمعت عليها كافة المكونات بهذا البلد، واحترم حقي بالمواطنة المتساوية، وعندئذ فأنت أخي وصديقي ووووو إلخ وهذا ما هو معمول به بكافة دول العالم المتقدم وما يسعى إليه العالم أجمع.