عرف أهل اليمن الهجرة منذ مئات السنين، هاجروا إلى كل بقاع الأرض لنشر الإسلام وللتجارة وللخروج من وطن لم يعد صالحاً للعيش من وجهة نظرهم. ولكن لم يشهد أهل اليمن الهجرة إلى السماء بهذه الطريقة التي نشهدها اليوم. اليوم ترحل الأرواح أفواجاً إلى السماء، يهاجر الشباب والأطفال في رحلات منتظمة ليس لها شروط معينة ولا أوقات ثابتة. ليس بالضرورة موافقة الأب أو الأم، رحيل لا يسبقه وداع ولا يعقبه سلام واطمئنان. رحيل مفجع ومؤلم يأتي بغتة لا ينتظر الطفل حتى يكبر ولا الشاب حتى يشيخ ولا يحترم أو يوقر الكبير.. هكذا صار أهل اليمن يهاجرون إلى السماء حيث لا تأشيرة ذهاب ولا تذكرة إياب. اليوم في اليمن يظهر مستتراً وحشاً لا يهدأ صخبه إلا بالتهام الأجساد واستنشاق رائحة الدماء، لا يكاد أن يهدأ حتى يثور ثانية يبحث عن وجبة أخرى لا يهم أن تكون وجبة طالبات ذاهبات إلى المدرسة، أو وجبة أناس ذهبوا ليحتفلوا بالمولد النبوي أو وجبة لشباب في مقتبل العمر هبوا لمستقبل رسموه ببزة الشرطة فكان أن رسومات أحلامهم لم تكن إلا وجعاً في كل قلب لايزال يضخ بالمحبة لهذا الوطن وأبنائه. نعلم أين يكمن الوحش المفترس المتربص بنا في أزقة الحارات وعلى ناصية الشوارع، وربما على أرفف المنازل، نعلم من هو جيد، ولكن نحاول أن نكذب حدسنا ونتجاهل متعمدين معرفتنا به. يهاجرون إلى السماء مبتسمين تاركين لنا حرقة الألم وقهر المظلوم العاجز سوى عن انتظار فوج آخر قد نكون أحد أفراده، ربما نحترق بسيارة مفخخة أو نسقط إثر رصاصة من قناص محترف، نعيش بين ثنايا الخوف بانتظار فوج آخر يرحل تاركاً لنا العار ونحن عاجزون سوى عن الدعاء بأن يلطف الله بالبلاد والعباد. [email protected]