بلادنا لا ينقصها وجود العلماء وذوي الرأي والموضوعية من كبار الأكاديميين والقُضاة وكبار رجال الأعمال في الداخل والخارج وغيرهم من الشخصيات الاعتبارية التي تحظى باحترام كل الأطراف السياسية, وقد عُرفوا بأنهم بعيدون عن السُلطة, ويزهدون بها إذا ما عرضت عليهم. هؤلاء لايزالون اليوم صامتين مثل أغلبية الجماهير اليمنية التي يتملّكها الشعور باليأس في ظل هذه الانتكاسات المتوالية للوطن اليمني أمنًا ودولةً وجيشًا وديمقراطية وتنميةً ونهوضًا. إن صمت هؤلاء مطبق, فليسوا من أصحاب «الفيسبوك والتويتر» ومجاملات الإعجابات, وكثيرًا ما يفتقدهم الوسط الاجتماعي الصرف, ناهيك عن مقايل الصداقات السياسية ومجالس الولاءات والتحالفات؛ لأنهم مهنيون وأصحاء «ليسوا مأزومين نفسيًا ولا متخمين بعُقَد الكراهية» ولا يحفلون بالظهور الإعلامي, وينفرون عن ضجيج الصراعات التي لا تنتهي ولا يشبع منها هواتها. كنّا أمس أمام حوارات سياسية تخرج باتفاقيات ملغومة, لا يجد كل ما فيها طريقه إلى التنفيذ, فيظل الوضع هشّاً مرشّحاً للانفجار في أية لحظة، واليوم ازداد الحال سوءًا حين أصبحت الحوارات السياسية تصل إلى طرق مسدودة يعجز فيها المتحاورون حتى عن الوصول إلى تلك الاتفاقيات الهشّة التي تصنع حلاً موقتًا أو ما يسمّى «أنصاف الحلول» التي تنقذ الوطن من السقوط ولا تسمح له بالوقوف على قدميه. سبب هذا الانسداد هو أننا نعيش اليوم حالة استقطاب حادّة لها أثرها في تعميق هوّة الخلاف وتوسيع دائرته ليصل – وقد وصل – إلى كل ما لا ينبغي أن يكون محط خلاف؛ لأنه سر الوجود اليمني وعنوانه بين الأمم ودونه سنتحوّل من «شعب» إلى جماعات وقبائل معزولة لا يسمع لها صوت؛ لأنها ليست في إطار دولة..!!. نحن في حاجة إلى تلك الشخصيات الاعتبارية المشار إليها أعلاه, فلاتزال أصواتًا مهابة, ولا أشك في أن آراءها سيكون لها وقع في نفوس أطراف الصراع اليوم, وقد يفتح الله على يديها ما استعصى على الوجوه المستهلكة التي أرى أنها لم تعد تستطيع إنجاز شيء؛ لأن الزمن لم يعد لها, وهو ما لم يدركه سوى داهية السياسة اليمنية الدكتور عبدالكريم الإرياني الذي اختار الاعتزال بدل الابتذال. أؤكد لكم أن الساحة السياسية اليوم وطاولات الحوار مهيّأة لوجوه اعتبارية جديدة قادرة على أن ترسم مستقبلاً جديدًا لهذا الوطن يجنّبه شبح الاقتتال والتشظّي، هذه الوجوه المتوارية لا ينبغي – في رأيي - أن يجري التفاوض حول مستقبل الوطن وقضاياه الكبرى في ظل غيابها؛ ولذلك فما عليها اليوم سوى أن تلتئم وتعقد العزم على الإدلاء بدلوها, وتتخذ التدابير اللازمة لذلك, ولا أشك في أنها ستنجح.