تتابع ألوان الهم والوجع على أبناء هذا الشعب حتى تتعامل معهم السلطة وكأنهم مخلوقات ضد الخدش والبطش والتنكيل، وكأننا مفرغون من محتوانا الإنساني تماماً. اليوم يحدث تداول لقضايا الوطن وتبادل لا عقلاني لمسببات ونتائج تلك القضايا بحيث يتم تهميش بعضها وتحجيم البعض الآخر منها على أساس هش من المصوغات والتوقعات غير المثبتة أو المبرهنة بشكل واقعي ومكتمل الأركان. تمضي قوافل الجرعات متتالية بينما يتوقف المستوى الاقتصادي على حالة بالتماس مع حالة سياسية رديئة تحاول إنجاز معطياتها على حساب معطيات اجتماعية واسعة لا حصر لها ويبقى الأمل معلقاً على مستوى فهم القادة للوضع السياسي الإقليمي وخطورة انجراف اليمن لذات المستنقع الذي عانته منذ عقود ماضية حين كانت دويلات تربطها علاقات حياد أو صراع أو مصالح مشتركة. ربما كانت الفيدرالية حلاً لإسقاط بعض الحقوق المتقادمة أو إثباتها، لكنها تبقى حلاً لا يخلو من الزلل كون اليمن قد عاشت فيدرالية تاريخية خلال عصرها السياسي الوئيد في دولها المتتالية والمتداخلة «سبأ، حمير، معين، حضرموت...» وبذلك الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي شبه المستقل أثبتت تلك الفيدرالية البدائية نجاحها في تلك الفترة لكنها لم تسلم أيضاً من وجود الصراع القبلي والعشائري ذو البنية السياسية والذي نشأ تقريباً بنشوء القبيلة وبقاء هذا النسق الاجتماعي قائماً كمقياس لبقاء أو فناء تلك التجمعات البشرية. وبمجرد الانتقال إلى التاريخ الحديث لليمن نجد أن صفحاته لا تخلو من وجود الصراع السياسي ذاته والذي يدور حول محور السلطة ويستقي مبادءه منها عاش الوطن عهوداً مشرقة وأخرى مظلمة توقفت إشراقاتها أو انتكاساتها على ثقافة مجتمعاتها ومستوى الوعي فيها، بالإضافة إلى نوع العلاقة بين السلطة والشعب والمقومات التي تدفع بتلك الأنظمة السلطوية لإدارة شئون الشعب في ذلك الوقت. وها هو التاريخ المعاصر يطل عبر شرفة الصراع السياسي من جديد ليثبت للعالم أن هذا الشعب عاش تحت وطأة الاستبداد السلطوي المحلي منذ أن كانت اليمن وحتى يومنا هذا بعد أن أصبح الشعب واعياً بما يكفي لتمكين عقليته السياسية المخلة من مفردات البناء السلطوي إلى أبجدية البناء المجتمعي وتغيير قاعدة الهرم الصنم،... لا بديل عن حلول ديناميكية مرنة تجمع بين وجهات نظر الفرقاء وتجعل من الشعب شريكاً في عملية صناعة الحل لمستقبل خالٍ من إرهاصات سياسية خالية من تلك الشوائب المتراكمة التي ما فتئت تجهض طموح الشعب في الاستقرار والأمان وبناء الدولة الحديثة. إن هذا الحقبة التاريخية الصعبة لا تحتاج لحلول مترهلة قابلة للتمزق أو الذوبان في معترك معاصر جديد يحمل الطائفية على النعش بينما يصلي في محراب الديمواقراطية صلاة الميت الغائب. لدينا ميراث سياسي سيء، وشعب تحتضر شرايينه كل يوم وهو يحاول ابتلاع علقم الحرية بقالبها المدني الجديد، ولدينا أيضاً سلطة سياسية تكشر عن أنيابها كلما دق ناقوس الوعي الشعبي.. فمتى يستريح هذا الشعب ومتى تزدهر براعم هذا الجيل؟!